المكان والمجتمع في المجموعة القصصية
"ديكور شخصي" [*]
من يتابع الأدب الفلسطيني يجد فيه حضور المكان
بصورة لافتة، وهذا الأمر لم يقتصر على الجيل الأول من الأدباء الذين هجروا من
وطنهم كرها وغصبا، بل على كافة الأدباء والكتاب وعلى مر التاريخ.
وإذا ما توقفنا عند مجموعة "ديكور
شخصي" للكاتب حامد عبد الله حج محمد سنجد صورة عن هذا الحضور، فالريف/ القرية
حاضرة في أكثر من قصة، حتى أن أول قصة "درج الأسرار" تتحدث عن درج
القرية وحالة (الهيبة/ الخوف) الملازمة للدرج، وكيف أن أهل القرية قرنوا "اختفاء الطفلة"
بهيبة المكان "الدرج" إلى أنْ قرر القاص الدخول والتدخل مباشرة إلى
القصة من خلال اقتحامه للمكان، فوجده المكان الأنسب للعشاق ليتلاقوا فيه.
من خلال هذه القصة أراد القاص تأكيد نبل وخيرية الفلسطيني الذي يندفع لمساعدة الآخرين بصرف النظر عن الظرف الذي هو فيه.
اللافت في قصة "سر الدرج" أن القص
بدأ بصيغة القص الخارجي، وكان يمكن أن ينتهي بهذه الصيغة، لكن تدخل القاص ودخوله
بنفسه إلى القصة يقودنا إلى تعلقه بالمكان الذي (أخذه) برهبته وحالة (القدسية)
الملازمة له، مما جعله يقتحمه، وكأنه يريد القول إن هذا المكان لي، وعليّ معرفته
عن قرب، من هنا تم كشف حقيقة الدرج.
القصة الثانية "مشاعر حمار" يتحدث
فيها الطفل القاص عن مشاعره تجاه حماره الذي يقرر والده بيعه، فيصف لنا علاقته
الحميمة بالحمار، ويدخلنا إلى مشاعر الحمار نفسه الذي أخذت عيناه بإنزال الدموع
على فراق الطفل القاص، فمن خلال حديثه عن الحمار يقودنا القاص إلى القرية وما فيها
من سهول وجبال وأعمال الفلاحة التي كان يقوم بها.
قصة "الرجوع إلى الجنة" تتحدث عن
الطفل القادم من قريته إلى قرية أخواله، لكنه يتفاجأ بأن أقرانه من الأطفال لا
يلعبون كما يريد، مما جعله يعود أدراجه منفرداً إلى قريته مشيا على الأقدام، رغم
صغر سنة وطول المسافة.
اللافت في هذه القصة كثرة استخدام القاص للفظ
"القرية" حتى أن القارئ يجد في مقطع مكون من خمسة أسطر تكرار لفظ
"قريته" أربع مرات" ص 24، وهذا يقودنا إلى العقل الباطن للقاص وقوة
أثر المكان عليه.
قصة "البطل الفلسطيني "ثيسوس"
يحاول القاص ربط الأسطورة اليونانية بواقع البطولة حقيقية التي يمارسها الفلسطيني،
ومتحدثا عن الأماكن التي قم بها الاحتلال: الضفة، وغزة، ولبنان وكل مكان" ص37.
القصة الأطول في المجوعة "موسم الحصاد
الأخير" والتي تتحدث عن "أم أحمد" التي يتوفى زوجها فتقرر تربية
ابنها "أحمد" وتعلمه رغم وضعها المال المتواضع، فترسله ليتعلم الطب في
بريطانيا، وتبدأ هي في زراعة الأرض حتى ترسل له تكاليف الدراسة، وبعد السنة السابعة
من العمل تقرر سد كافة ديونها حتى لا تكلف ابنها أي التزامات مالية، فتزرع أكثر من
قطعة أرض،
وأثناء حصادها للقطعة الأخيرة التي كانت
الأبعد والأكثر مشقة عليها، يأتي خبر حضور ابنها فيغمى عليها، تستيقظ لتجد أنها
أول مريضة يعالجها ابنها "أحمد".
اللافت في هذه القصة أن القاص يقودنا إلى
طبيعة الريف الفلسطيني البكر، حيث كان الناس يتعاونون فيما بينهم ويتعاملون بمحبة
وإخاء، حتى "المختار" قدم بصورة مطلقة الإيجابية، من هنا وجدنا أكثر قصة
في تسمية شخصيات قصة "موسوم الحصاد الأخير" فبدا القاص وكأنه يريد تعريف
القارئ بهؤلاء الناس الأطياب، وبما أن القصة انتهت نهاية سعيدة، وهذا له علاقة
بالقصص/ الحكايات الشعبية التي تنتهي بزوال الشر/ التعب والوصول إلى الخلاص،
الراحة والسعادة، وهذا يؤكد ريفية وفلسطينية القصة، التي جاءت أحداثها وناسها
ومكانها منسجمين ومتآخين ومتحابين، وما إكمال "أحمد" دراسته إلا ثمرة
جهد الأمر بصورة أساسية وتعاون أهل القرية "أبو زكي والمختال والخال" في
معاونة "أم أحمد" في زراعة الأرض، وعدم مطالبتها بأجرة الحرث والدرس
والنقل والسلف المالية.
قصة "من أجلك يا حذاء" تتحدث عن
خلاف بين عاملين بسبب دعس أحدهما على حذاء الآخر، ينتهي هذا الخلاف إلى (صلح
عشائري" فالقصة تشير إلى (بؤس أخلاق العمال) وتفاهة تفكيرهم وسفاهة سلوكهم،
وبما أن القصة حددت مكان الأحدث "قلنديا" الواصلة بين القدس ورام الله،
وهذا يشير إلى (فلسطينية المكان) والقصة.
وهنا أشير إلى أن هذه القصة (السلبية) الوحيدة
التي جاء في المجموعة.
قصة "اللص البطل" تتحدث عن
"أبي درويش" الذي يقرر أن يقوم بسرقة حصان أصيل، لكن أثناء ذهابه
للسرقة، يجد شاب يحاصره الضبع، مما يجعله يقتل الضبع، وهنا يتحول من رجل حاول
السرقة إلى بطل شعبي أنقذ ابن المختار من الموت، وهنا يجزيه المختار بمخمسين
دينارا كمكافأة على ما قام به، وهذا المبلغ أكثر بكثير من ثمن الحصان الذي أراد
سرقته.
من خلال هذه القصة أراد القاص تأكيد نبل
وخيرية الفلسطيني الذي يندفع لمساعدة الآخرين بصرف النظر عن الظرف الذي هو فيه.
(قصة) "فراشة
الأمل" والتي جاءت بواحد وعشرون صفحة وهي أطول بصفحة واحدة عن قصة "موسم
الحصاد الأخير" يتحدث القاص في بدايتها ككتاب مقال حتى أنه يرصد مجموعة من
الكتاب تناول الحب، هذا ما أفقد القصة كونها قصة، لهذا يجد القارئ الهوة بين فنية
القصة وما جاء في المقدمة، ولكن بما أن الموضوع هو الحب وكيف أنه يأتي بأكثر من
حالة وصيغة وشكل: "والمشكلة الأخرى في الزواج، تكمن في أن العاشقين يتحولان
إلى أبوين بكل ما في الأمر من عبء ومسؤولية، وحتى قبل أن ينطق الطفل بـ
"ماما" أو "بابا" يكون شيء ما قد تغير في الحب" ص 87،
وهذا ما سهل على القارئ تناولها وجعله ينجذب إلى ما جاء في "فراشة
الأمل" بمعنى أن القاص (غطى) على ضعف فنية (القصة) من خلال موضوعها، الحب.
وقبل أن أختم أذكر بعدم وجود قصة العنوان
"ديكور شخصي" وهذا أمر نادر الحدوث في المجموعات القصصية، مما يجعل
القصص ما هي إلا ما اختزنه "حامد عبد الله حج محمد" في
ذاكرته عن الريف/ القرية وأهلها الطيبين،
فأراد بها أن يوثق/ يؤكد ارتباطه بالقرية أهلها، ويعرفنا ويحببنا بها وبهؤلاء
الناس وما فيهم من خلال أصيلة وعطاء وحب.
[*] صدرت المجموعة من دار
غراب للنشر والتوزيع، مصر، القاهرة، الطبعة الأولى،
إرسال تعليق