المرأة والمجتمع الذكوري في رواية
"غربة"
فوزي نجاجرة
النساء في الرواية
أن تتناول حال المرأة فهذا شيء يحسب للأدب وللأديب الذي يحمل
هموم ومشاكل النساء في مجتمعه، وبما أن الرواية تناولت أربع نساء، الأم نهلة التي
ترملت وهي شابه، مما جعل سلفها "عيسى" يسعى لتكون زوجة له، لكنها ترفض
وبشدة، ويزيد الضغط عليها من خلال أخوتها، مما دفعها للانتحار، أما أبنتها
"صفية" فتُجبر على الزواج من رجل يكبرها بخمسة عشر عاما، وعاطل عن العمل
مما جعل حياتها جحيم، وكان عليها تقبل هذا الأمر إلى أن حد لم عد تقدر على تحمل
المزيد من سلوكه الشائن، فيتم تطليقها منه بمساعده شقيقها "محمود" أما
المرأة الثالثة فهي "شهيرة" العانس التي تجاوزت الخمسين دون أن تتزوج،
بسبب نظرة العائلة الأرستقراطية لمن يتقدم لها، وعندما جاء "محمود"
ليكون مخلصا لها، وقبيل الزفاف بساعات تتوفى، أما المرأة الرابعة فهي
"خديجة" زوجة الشهيد التي تتعرض للقيل والقال وحتى إلى التحرش جسديا،
مما أصابها جسدها بجروح بالغة، لكن يتدخل محمود لتكون زوجتا له، ويتم زواجها منها
فيجدها امرأة ذات قدرات متعددة، مما جعله يتطور اقتصاديا واجتماعيا.
مشكلة الفلسطيني لا تكمن في وجود الاحتلال فحسب، بل أيضا في
هيمنة العقل الذكوري على المجتمع، والتعامل مع المرأة على أنها أقل من الرجل، وأن
عليها الخضوع لقرارات الأسرة والانصياع لها.
في رواية "غربة" يوضح السارد عقلية الذكور وكيف
يفكرون ويتعاملون مع النساء، فهن بنظره تركه/ورثة ومن حق (الأقرب عليهن) ورثتهن،
هكذا نظر "عيسى" شقيق "حمدي" إلى "نهلة" زوجة أخيه
المتوفي: "أنا لا أسمح لك بالزواج من أي شخص غيري، فأنا أحق بالزواج منك،
وأنا من يستطيع أن يعتني بأبناء أخي" ص15، وعدما ترفض تتعرض للضرب وبطريقة
متوحشة على يد أخوتها: "تلقت ضربة قوية من أحدهم بالهراوة على رأسها، مباشرة
سقطت السلة من فوق رأسها وتناثرت أغراض العيد كلها" ص22، وهذا ما يؤكد أن على
المرأة الخضوع والطاعة لما يمليه علها الذكور، وإلا ستتعرض لأقسى أنواع الضغط
النفسي والجسدي، وهذا ما دفع "نهلة للانتحار ومغادرة هذا العذاب.
أما أبنتها "صفية" التي كانت طفلة فلم تكن بقوة
أمها، لها تم تزويجها وهي في الثالثة عشر عاما من "خليل" الذي يكبرها
بخمسة عشر عاما، وعاطل عن العمل، لهذا كان زواجها أرق من عملية البيع منه إلا
الزواج، وتم تهديدها من قبل عمها "عيسى" بما حصل لوالدتها
"نهلة": "إذا كنت رافضة لهذا الزواج فبإمكانك الانتحار مثل
امك" ص67، لهذا خضعت وانصاعت، فكانت حياتها الجحيم بعينه.
إذن يمكننا القول إن السارد يركز على حال النساء في المجتمع
الذكوري، والأثر السلبي لفارق السن بينهما، من هنا نجده بطل الرواية
"محمود" يشير إلى صديقه "ليث" وكيف أن والده تزوج من امرأة
تصغره بعشرين سنة.
ويحدثنا عن "خديجة" أرملة الشهيد، ونظرة الذكور
السلبية لعملها، فهم يرون عملها (بغاء)، مما دفع بعض المتطرفين إلى أذيتها معنويا
وجسديا: "يشتمون ويبصقون عليها، ويتفوهون بكلمات قذرة مقززة.. كانت تتلقى
ضربات الحجارة وهي تصرخ مع كل حجر يضربها على وجهها أو رأسها" ص262، وهذا يشر
إلى تعاطف السارد مع النساء، ووقفوه إلى جانبهن، ومحاربته لكل فكرة أو سلوك ينتهك
حقوقهن، إن كانت ماديا أو نفسيا أو جسديا.
الذكور
إذا ما توقفنا عند الشخصيات النسائية سنجدها بغالبيتها
إيجابية، إذا ما استثنينا زوجة عيسى وزوجة أبي "ليث"، بينما نجد غالبية
الذكور ـ إذا ما استثنينا "محمود" وصديقه "جميل" قدموا بصورة
سلبية أو محايدة كحال الجد "محمد"
السارد يعطينا نماذج عن سلبية العقل الذكوري من خلال
"عيسى وخليل"، الأول حاول الزواج من زوجة أخيه غصبا وكرها، مما دفعها
إلى الانتحار، والثاني تزوج "صفية" وهو بلا عمل، وكان يسرق ويكذب ويعامل
زوجته بقسوة وعنف.
سلبية الشخصيات الذكورية لم تتوقف عند طريقة التفكير والسلوك
القاسي مع المرأة فقط، بل متعلق بالمنظومة الأخلاقية التي يفقدونها، يوضح لنا
"محمود" هذا الأمر بقوله: "وتفاجأنا بتزوجها من هذا الشخص من قبل
عمي عيسى الضلالي وزوجته، فهو من وفق وسمسر لهذا الزواج، اكتشفت مؤخرا أن والد
زوجها خليل قد رشاه بدنم أرض مقابل إتمام الزواج" ص140، وكأن الرواية تقول إن
سوء وقسوة الشخص السيء ممتدة ومتشعبة ومتعلقة بنظرته للحياة، فهو لا يرى إلا
مصلحته الشخصية التي يجب أن تعلو على كل المصالح، وحتى لو كانت على حساب حياة
الآخرين، من هنا نجد "خليل" زوج "صفية" يسرق البيض من مزرعة "محمود" ويبيعه خلسة، ونجد
الأستاذ "غزال" يهدد "محمود" بالعقاب إذا لم يحلق له مجانا:
"فإن أردت أن أعفيك من العقاب، عليك تدبير أمرك بعد عصر اليوم، وأن تقوم
بإحضار ماكينة الحلاقة وتأتي بها صاغرا إلى داري" ص53، فالأشخاص القساة كانوا
أيضا منحرفين أخلاقيا، لهذا وجدناهم مرشين وسارقين ويستغلون ضعف الآخرين.
السرد الروائي
اللافت في الرواية أن السرد جاء بصيغة أنا السارد، وهذا ما
جعل الأحداث والأفكار والمواقف ترسخ اكثر في ذهن القارئ الذي انسجم مع الأحداث ومع
رواتها، فقد توزيع السرد بشكل أساسي بين "محمود وصفية" بينما لم نسمع
صوت الشخصيات السلبية: "خليل، وعيسى وزوجته" إلا من خلال "محمود
وصفية" فكان تغيب صوتهما مباشرة، يشير إلى نفور وامتعاض السارد منهما.
هفوات الرواية
هناك بعض الهفوات جاءت في الرواية تتمثل حديث
"محمود" عن حضارة الهكسوس، فكلنا يعلم أن الهكسوس وصفوا بالقبائل
الرعاة، معنى انهم كانوا بدو رحل، لهذا لم يتركوا أي حضارة ورائهم، كما أن السارد
استخدم مدينة السلام مكان للحدث، لكنه عندما تناول واقعة تسجيله في الجامعة وكيف
قابل جده "ياسر عرفات" تحدث عن مدينة رام الله، وهذا التداخل بين المدينة
الروائية المتخيلة، والمدينة الحقيقة، يمثل (تشتيت) للقارئ، وهنا خطأ مطبعي:
"شهادة الماجستير في الإرادة التربوية من جامعة عنان" ص178 والصواب
جامعة عمان.
الرواية من منشورات دار دجلة ناشرون وموزعون، عمان، الأردن،
الطبعة الأولى 2024.
إرسال تعليق