الفصل الثاني من الرواية متعلق بالواقع الصهيوني، تركيبته الاجتماعية، كيف يفكر، يتصرف، وكيف ينظر إلى الصراع في فلسطين المحتلة، وكيف يمكن أن يبقى موجودا في المنطقة، كيف ينظر إلى الدول العربية، وهناك مجموعة كبيرة من الأسئلة يثيرها "ساي المؤرخ" وهي أسئلة وجودية بالنسبة لكيان الاحتلال.
سنحاول التوقف عند طبيعة وتركيبة هذا التجمع وكيف يفكر تجاه الآخرين وتجاه تركيبته السكانية، يتحدث عن "يفيت" وكيف ترى الواقع الذي عيشه: "تؤمن بالرب ولا تؤمن برجال الدين الذين الأغبياء الذين يفسدون كل شيء، ولا يستطيعون إصلاح دراجة... وتعتقد أن عاموس، مثلها برغم تدينه الظاهر، أنه يؤمن بالنقود أكثر من أي شيء في العالم، بل إنها في الحقيقة أكثر منه إيمانا بالرب.
وتفهم لماذا يتسلل الكثير من زوجاتهم بالمواعدة الجنود في الليل" ص182، هذه صورة عن تركية التجمع الصهيوني، فهو مفسخ، تحكمه المصالح الشخصية والرغبات/الشهوات، بمعنى أنه يعيش في (فندق) ليس بين أفراده أي وحدة روحية تصهره أو توحده
اللافت في الرواية أنها تعرفنا على العقلية الصهيونية التي تعتمد على نظرية التميز والتفوق والأقوى.
"رفكا" تمثل أحد سكان هذا "الفندق" فقد تزوجت اربع مرات، وتعتبر الرجال مجرد متعة جنسية ليس أكثر، وهي "تبدل الرجال مثل نوع السجائر أو العطور" ص306، وهذا ما يحول دون وجود أسرة حقيقة توحد أفرادها ليكون ضمن أسرة الوطن، فالمصالح الشخصية والبحث إشباع الغرائز يحول دون وجود مجتمع حقيقي في الكيان.
العنصرية
التجمع الصهيوني يعتمد على فكرة (شعب الله المختار) بمعنى أنهم أبناء الله وبقية الأمم ما هم إلا قطيع وجد لخدمتهم، ولا تكتفي الصهيونية بهذا الأمر بل تتوغل أكثر معتبرة أن اليهود فقط هم أصحاب البشرة البيضاء، وتحديدا أولئك الذين جاؤوا من أوروبا، أم اليهود القادمين من الشرق وتحيدا من أفريقيا فهم ليسوا يهود، وينظر إليهم بطريقة مزرية، تتحدث "حنا" عن هذا الأمر بقولها: "إنهم لا ينظرون لنا كيهود، على الإطلاق، ستكون هويتنا السوداء أقوى من البيولوجيا والتاريخ والدين، علينا أن ننسى كل المحاولات لنثبت لهم أننا أخوة، ولنفخر بلوننا المتميز" ص264، وهذا يعطينا فكرة أن التجمع الصهيوني بأنه غير متماسك، وفيه من الانقسامات ما يجعله هش، ويمكن لأي حدث أن يزيله من الوجود.
ولم يقتصر الأمر على الامتعاض من اللون الأسود فحسب، بل امتد لينسب أفكار سيئة وسلوك سلبي لأصحاب البشرة السوداء: "إنها بشكل عام تكره السود، ليس للونهم فقط، وإنما من وحي الانطباع العالم الذي خلفوه في المجتمع، كسالى ويتعاطون المخدرات تماما كما تقدمه الأفلام الأمريكية" ص189و190، فطريقة التفكير العنصرية التي اعتمدها الصهاينة تجاه الفلسطينيين والعرب يستخدمها بحق الأثيوبيين الذي لا ينظر إليهم كبقية (شعب الله المختار): "المجتمع الإسرائيلي ينظر إلينا كالمرض، اللطخة السوداء أو العار" ص333، إذن هناك عدم وجود جامع/موحد لهذا التجمع المتناقض والمتصارع مع ذاته، فكل مجموعة فيه لها خصائصها التي تجعلها بعيدة عن الأخرى، ولا يوجد (فكرة/عقيدة) توحدها سوى المكان، فندق خمس نجوم الذي يقدم خدماته لزبائنه.
من هنا سنجد أن كل مجموعة سكانية تتميز عن غيرها في هذا الكيان، فالروس يمثلون حالة خطر على الكيان لأنهم: "المجتمع يتغير نحو الأسوأ، العقار يرتفع بأسعار جنونية، الروس دمروا المجتمع، المافيا والسلاح والمخدرات.
ـ ارتفعت نسبة الجريمة، السلاح والقتل، والمخدرات، يبدو الأمر وكأن الشرطة، لا تسيطر، أو تخاف منهم.
همست بحزن: إننا ندفع لهم إتاوات، أنا أدفع لأحدهم شهريا، لحمايتي من المضايقات، وبدأ مؤخرا يطالبني بزيادة مبلغ الإتاوة، وكأنه مرتبط بغلاء المعيشة" ص313و314، نلاحظ أن النظرة العنصرية تتوسع وتعتمد على المكان الذي جاء منه القادمين، فكل فئة لها سلبيات/أخطار على هذا التجمع، وفي حالة (الروس) لا يقتصر الأمر على النظرة اللون/العرق فحسب، بل طال السلوك/العمل، فهناك أعمال تهدم هذا التجمع ، من خلال الجريمة والمافيات، وضعف مؤسسات الكيان على القيام بمهامها، وما هو مطلوبا منها، فكيف يمكن لمثل هذا التجمع أن يكون (مجتمعا) طبيعيا منسجما مع بعضه؟.
العقلية الصهيونية
اللافت في الرواية أنها تعرفنا على العقلية الصهيونية التي تعتمد على نظرية التميز والتفوق والأقوى، وبما أن الفكر الصهيوني يعتمد على فكرة الأرض التي منحها الرب لهم، وهذا ما يجعل الأرض/المكان أحد أهم عناصر الصراع، "رفكا" تمثل العقلية الصهيونية تجاه العديد من القضايا: "كل هذه الأرض لنا، وهذه الشعوب الأخرى فقط تعيش عليها" ص253، إذا ما توقفنا عند هذه الفكرة سنجد عقم الفكرة الصهيونية التي تفصل الشعب عن الأرض التي تعبرها ملكا خاصة لها دون سواها، وهي تعتبر وجود (الآخرين) وجودا عابرا/مؤقتا غير أصيل، بينما الصهيوني القادم من آخر الدنيا له الحق فيها، أي عقلية هذه!؟ أليس هذا مخالف للعقل/للمنطق؟
عقلية/عقدة الخوف
ولم يقتصر عقم النظرية الصهيونية على نظرتها للأرض فحسب، بل طال أيضا التعامل مع الأحداث العسكرية/الحربية، الصواريخ البدائية التي تطلقها المقاومة الفلسطينية على المدن الحديثة، والمحمية، والمحصنة بالقبة الحديدية، ورغم هذا نجد طريقة التفكير عند الصهاينة بهذه الشكل: "وما هي احتمالات أن يصيبه الصاروخ لو لم يذهب إلى الملجأ، السيناريو السيئ هو الذي يجعلهم يهرعون دون تردد، احتمالات أن يصيبك الصاروخ إذا لم تهرع إلى الملجأ هي100%" ص256، وهذا ما يجعل هذا التجمع مجرد قطيع من الأغنام يساق كيفما أراد الراعي له أن يساق، فهم أقرب إلى الآلات منهم إلى البشر، فرغم أنهم يعتبرون أنفسهم الأذكى والأقدر على استخدام العقل والتحكم في الآخرين وتطويعهم، إلا أنهم يطوعون أنفسهم من خلال أوهام الرعب التي يقنعون بها أنفسهم.
عقلية الحرب مع العرب
العقلية الصهيونية تعتبر العرب جنس منحط، لا يقدر على الفعل، وهم يعتمدون على قصة داود وجالوت التوراتية، ولا يعيرون المقاتل العربي أي اهتمام، والمقصود هنا بالمقاتل الجيوش العربية الرسمية: "ماذا يمكن أن يفعل العرب؟ ولو كان بأيدهم شيء لفعلوه.. إنهم لا يقتنعون بالمنطق، ويقتنعون بالقوة"ص322، من هنا ينظرون إلى هذه الدول من خلال ما حدث في حرب 1967: "وتغلبنا فيها على ثلاثة جيوش عربية خلال ست ساعات" ص277، من هنا عندما حدثت حرب 1973 وهاجمت الدول العربية الكيان، تغيرت النظرة وجعلت الكيان في إرباك: "ولم يكن يدور بخلدنا قبل ذلك، أن العرب يستطيعون الحرب، أو تحقيق أي إنجاز عسكري، فما بالك عندما يبادرون بالهجوم، (نحن من يقرر ساعة الصفر دائما)" ص277و278، الهزة التي أصابت الكيان في حرب 73 ما زالت حاضرة إلى اليوم، فهو لا يفكر/يتوقع أن يجرأ أي جيش/تنظيم عربي على مهاجمة الكيان المحصن والمحمي بأحدث الأسلحة وتقنيات التجسس، من هنا نجده يعاني الأمرين في معركة طوفان الأقصى حيث هاجم مجموعة قليلة العدد والعدة القواعد العسكرية المحيطة بقطاع غزة، واستطاعت أن تبدها بالكامل، وتستولي على السلاح والمعدات الاستخبارية وتأسر مجموعة كبيرة من جنود الاحتلال، فالمشكلة في الكيان ليست في الخسائر المادية والبشرية فحسب، بل في ضرب العقلية الصهيونية المتفوقة والمهيمنة والمسيطرة على مجريات الأمور، وما المجازر التي يقدم عليها جيش الاحتلال إلا محاولة لإقناع نفسه أنه الجيش الأقوى في المنطقة، وإعطاء الأخرين/الأنظمة الرسمية العربية صورة عن بطش هذا الجيش، ليبقوا متفرجين، صامتين على ما يجري في فلسطين.
من هنا، نظرية الاحتفاظ بالقوة والخوف من الآخرين تعتبر ركيزة أساسية لهذا الكيان: "الشعوب ذات الهوية القومية، والتي ليس لها كيان، تتعرض للاضطهاد والقتل حتى في عصرنا هذا، وكل العصور، الهويات القوية تتنمر على الهويات الضعيفة، كما يحدث مع الكثير من الشعوب" ص296، هذه الفكرة تتماثل مع "إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب" فهل هناك دولة طبيعية/عادية تفكر بهذه العقلية؟
أما فيما يتعلق بمقاومة الشعب الفلسطيني فتراها "رفكا" بهذا الشكل: "أنه شعب ماكر، يرسل أطفاله لمواجهة الدبابات، ليسقط علينا صفة الإجرام، لكن العالم أذكى من السقوط في مثل هذه الخدعة" ص327و238، نلاحظ أن هناك عقل ميكانيكي يتحكم في الصهيوني، فكل ما هو عربي أو فلسطيني خاطئ وحقير وقبيح، بينهما الحقيقة والشرف والنبل عند الكيان، فيا لها من عقلية!!
مقومات وجود الكيان
هناك دول لا تملك قوة عسكرية كبيرة لكنها تأمن على وجودها من خلال تاريخها وانسجام نسيجها الاجتماعي مع الدول المحيطة بها، ونظرة/تعامل بقية الدول معها على أنها دولة طبيعية/عادية، بينما الحال مع دولة الكيان مسألة أخرى، فهو يعتمد على وجوده وبقاءه على مبدأ القوة، تحاور "رفكا" "المؤرخ" حول هذا الأمر: "لو كنا ضعفاء سنكون مكان الضحية، سيفعلون بنا المثل، لن يترددوا في ذلك.
لماذا نكون أمام خيار وحيد إما أن نكون الجلاد أو الضحية؟ لا أحد بالتأكيد سيختار دور الضحية" ص218، إذن مبدأ القوة والتفوق والبقاء في حالة صراع دائم مع الآخرين، أحد عناصر بقاء الكيان، وما السؤال الذي طرحه "المؤرخ" إلا من باب الإشارة إلى طبيعة تركيبة هذا الكيان الغريب والدخيل على المنطقة، فلو كان مجتمعا حقيقيا منسجما مع طبيعة المنطقة وتاريخها وشعوبها لما كان بهذا الإرباك وهذا الخوف من المحيطين به.
: "نحن نعمل تحت السوط، لسنا أحرارا في التقاط الأنفاس، إذا لم نكن الأفضل، سيضيع كل شيء، إنها مهمة شاقة، وعلى الأرجح هي أكبر منا" ص325، فحالة التفكير بالحرب مستمرة، وأيضا الخوف بشكل دائم من دول الجوار، وعدم الاطمئنان من أي جار لدولة الاحتلال جعلها دولة جيش وجنود لا يعرفون ولا يفكرون إلا بالحرب: "هكذا نشأت البلاد وتطورت، ولم يكن بمقدورها أن تصل إلى هذا المستوى من الازدهار دون دبابات" ص204، لو رجعنا إلى التاريخ لا نجد أي دولة حقيقة تفكر بهذه الطريقة، وإن وجدت، سنجد عمرها قصير وتم إزالتها ومحوها بسرعة، وهذا ينطبق على دولة الكيان التي بالتأكيد لن تعمر طويلا وها هي على أعتاب الاضمحلال والزوال.
دولة الاحتلال
لكل دولة مهام ودور، هناك دول طبيعية ودول مصطنعة أقامها الاستعمار الحديث ليحمي مصالحه في المنطقة، دولة الكيان من هذه الدول التي وجدت لتقوم بدور وظيفي لحماية المصالح الغربية في المنطقة العربية، من هنا نجد الأفراد في الدولة متعبون من عقلية الحرب والصراع الدائم مع المحيط العربي، يقول "عاموس" حول رؤيته لهذه الدولة ولدورها: "نحن نعمل تحت السوط، لسنا أحرارا في التقاط الأنفاس، إذا لم نكن الأفضل، سيضيع كل شيء، إنها مهمة شاقة، وعلى الأرجح هي أكبر منا.
... الدول الحليفة التي نقوم بالمهمات القذرة لها، وعندما لا تعود لها أي مصلحة فينا، ستتخلى عنا." ص325، وهذا ما يجعل دولة الاحتلال دولة وظيفية، تقوم بدول العميل للغرب، فوجودها مرتبط بقوة وهيمنة الغرب، وأفضل دليل على هذا الدور القذر، الطريقة التي قامت بها الدولة عام 1948، وحرب 73 ومعركة طوفان الأقصى عام2024، فالدعم غير المحدود من الأمريكان والغرب، سلاح وعتاد ومال، والدعم السياسي، هي من جعل دولة الكيان تصمد وتحفظ على وجودها، ودون هذا الدعم لم ولن تكون هناك دولة اسمها (إسرائيل).
حقائق متعلقة بالدول العربي
من خلال الحوارات التي تمت بين شخصيات الرواية نجد حقائق موضوعية، ولا بأس من التوقف عندها، حيث أنها صادرة من أفراد ينتمون للكيان، ويشكلون جزءا من تركيبه، فالدول العربية لم تخض أي حرب حقيقة، فقد كانت الخيانات الداخلية، وهشاشة القيادة العسكرية، وعدم صلاحية السلاح، عوامل أساسية في هزيمة العرب في كل الحروب التي خاضوها مع دولة الكيان.
إذن هناك خلل في بنية الأنظمة العربية، فهي ضعيفة، فاسدة، لهذا لا تحارب ولا تريد لأحد أن يحارب: "ـ كل الدول العربية في الجوار تمتلك أسلحة تتفوق كثيرا على أسلحة غزة، الأمر لا يتعلق بامتلاك القوة، ولكنه يتعلق بالقرار باستخدامها أو لا.
ـ أتفق معك، ولكن الدول العربية ليس لدها نية في الحرب، ولم تشكل أي تهديد حقيقي فيما عدا الصواريخ التي أطلقها صدام، وتعلم الجميع الدرس بعد الثمن الباهظ الذي دفعه صدام" ص261، اللافت في هذا الحوار إننا نجده موضوعي وحقيقي، فما جرى في العراق من تدمير وتفكيك لأكبر دولة وأقوى وجيش في المنطقة العربية، وتقسيم الدولة والمجتمع العراقي حسب الطوائف، إلا من باب إزالة الخطر عن دولة الاحتلال، فما فعله الغرب في العراق، أراد به منع أي تهديد لكيان.
وما العدوان والمجازر التي يفعلها جيش الكيان في غزة منذ ما يزيد على ستة أشهر والتي خلفت أكثر من مائة الف قتيل وجريح إلا من باب كي الوعي العربي، بأن كل من يحاول النيل من الكيان سيكون عقابه الموت والدمار والخراب والتشريد، هذا حال كل من قاوم المحتل، فما جرى للفلسطيني عام 1948، وعام 1970، وعام 1982، وعام 2000، وعام 2014، والآن عام 2024، خير دليل على هذا الأمر.
حقائق متعلقة بطبيعة السكان
دولة الاحتلال قامت على أساس ديني، وكل من أتى إليها من الخارج جاء على أنه يهودي، وجاء ليخدم المشروع الصهيوني، هذه حقيقة: "ـ ما دمت في إسرائيل، حتى ولو كنت مرتدا عن الدين والقومية، أنت يهودي" ص280، فكل فراد داخل الكيان هو جزء من تركيبته، ويقوم بالدور الموكل له، في خدمة دولة الاحتلال.
ونجد المحرقة اليهودية حاضرة في وجدان أفراد الكيان، فهم يعتمدون عليها لإيقاع أكبر ضرر بالعرب وبالفلسطينيين: "إن الذي يعانون من عقدة الاضطهاد يكونون أكثر بطشا" ص338، حتى أن المتابع لأفعال ولجرائم الاحتلال يجدها مماثلة لما فعله النازيون بهم، فهم يكررون/يستنسخون ما فعله النازيون بهم بإسقاطه على الفلسطيني.
حقائق متعلقة بدولة الاحتلال
من ينظر إلى دولة الاحتلال وكيف يتم التعامل معها من بقية الدولة، القوية والضعيفة، وكيف ينظر إلى تركيبتها، سيجد أن هناك خلل/(استثناء) لهذه الدولة، فهي مختلفة عن بقية الدول، وتُعامل بطريقة غريبة عجية:
"ـ الهوية اليهودية باهظة الثمن، هل نحن سيئون؟ أم الشعوب الأخرى هي الشريرة، أو هو تنمر الهويات القوية على الهويات الضعيفة، آلاف الدراسات معنا وضدنا، والحقيقة الثانية أننا نقتل أو نقتل، والحقيقة الثانية أننا مثار للجدل، إنها الهوية الأكثر عداء واستفزازا في العالم، إلى درجة أنهم سنوا قانونا ضد معاداتها، لماذا لم يسنوا قانونا لمعاداة الأكراد، أو الهنود الحمر أو الأسكيمو أو قبائل التبت.
لقد أثرينا التاريخ البشري، بتجارب الذبح والقتل والتمييز العنصري، فماذا ربحنا غير القلق، الهوية اليهودية هوية قلقة على مستقبلها أكثر من أي شعب ضعيف أو دولة مستسلمة" ص310، هذه الحقائق يمكن إيجادها من خلال تاريخ الدولة وحروبها، وما تفعله في غزة الآن يمثل تكرارا لما فعلته في عام 1948، فهي ليست دولة واثقة من وجودها ومن طبيعتها كدولة عادية، بل كدولة وظيفية، دولة عميلة تخدم الآخرين: "هل يؤذيك قوله أننا متورطون في مهمة أكبر منا؟" ص312، لهذا تجدها تسحق من يعاديها وتريد لكل الدول المحيطة بها ودول المنطقة أن تبقى ضعيفة، لتكون هي المسيطرة والمهيمنة، وإذا ما أصبحت هناك قوية أخرى في المنطقة، لن يكون الكيان هادئا، مستقرا، وسيعمل بكل الطرق والوسائل لضرب هذه القوة.
لهذا نجده يعادي/يحارب أي مظهر من مظاهر القوية في أي دولة في المنطقة، عربية أو إسلامية، ويعمل مع الغرب على احتواء تلك الدولة، أو على إضعافها وإخضاعها بالقوة العسكرية أو بالقوة الاقتصادية والسياسية.
حقائق متعلقة بالوجود الفلسطيني
دولة الكيان قامت بعد تشرد وتهجير وقتل الفلسطينيين في عام 1948، ولم يبق فيها إلا القليل، أقل من ثلث السكان، وبما أن دولة الاحتلال تعتمد على الفكرة الصهيونية التي تعتبر فلسطين هي إسرائيل، وتستجلب اليهود تحت شعار (أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض) فقد كان وما زال الوجود الفلسطيني يشكل تهديدا لهذا الكيان: "نضع حولهم جدرانا من الإسمنت، ولكنهم يستيقظون صياحا، ولا نستطيع أن نمنع عنهم الشمس، أو نستأثر بالمطر، لا نستطيع أن نمنع العالم أن يغمض عينيه عن هذه الحقيقة، هل يحتاج الأمر إلى حرب أخرى لإخفائهم من المشهد، أو بعبارة أدق، هل تكفي حرب أخرى للتخلص من هذا العدو الذي يقاسمنا المكان؟" ص327، حقيقة أن الصراع مع الكيان هو صراع وجود، صراع أكون أو لا أكون، وهذا ما قالته "رفكا" أكثر من مرة "أما نحن أو هم" ص328، فلنكن نحن الفلسطينيون إذن وليس هم.
الأسئلة
ضمن حوار الشخصيات تطرح الرواية مجموعة أسئلة، وبمجملها متعلقة بطبيعة الكيان والصراع في المنطقة، من هذا الأسئلة/التساؤلات موضوع الفلسطينيين في قطاع غزة وما يمكن أن يفعلوا وهم الذين يعيشون في سجن محاصر من كل الجهات:
"ـ الحضارات أسست الجيوش وبنت القلاع، وهناك من بنى الأسوار.
ـ ونحن هذا السور الذي يحمي البلاد، غلاف غزة، هل نحن غلاف لغزة أو غلاف لإسرائيل؟" ص246، هذا السؤال جوهري، مثير، محير بالنسبة لمن يقطنون في مستوطنات علاف غزة، فهو يعيشون بجانب برميل من الوقود يمكن أن يشتعل في أي وقت: "التعايش مع الخطر، هو واقع فرض نفسه، على المجتمع الإسرائيلي... إنها تقع في مواجهة مليوني فلسطيني في قطاع غزة، يشعرون بالجوع والغضب، ولا تحسن التوقع ماذا يمكن أن يفعل هؤلاء؟" ص199، وهذا ما يجعل الإرباك والخواف حالة مستديمة في دولة الاحتلال، فالكيان لا يشعر بالأمن حتى هو يقوم بحصار الفلسطيني والتضيق عليه.
وهذا يقودنا إلى سؤال آخر متعلق بدولة الكيان وبغزة تحديدا: "صاروخ بدائي يثير الذعر في دولة نووية؟" ص258، نلاحظ أن السؤال يتبعه سؤال، وهذا متعلق بالطبيعة الصراع المتواصلة والمتشابكة، فدولة تقوم بدور وظيفي، دولة غير طبيعية، أنشأت من خلال قوى غريبة ودخيلة، كيف لها أن تكون سوية/مقبولة؟ هذا السؤال يأخذنا إلى الرب الذي أعطى أرض كنعان لإبراهيم ولنسله، يأخذنا إلى النص التوراتي وما فيه من خرافات: "لماذا حرم الله على موسى الدخول إلى أرض الميعاد، ولم يدفن فيها، هل هي أرض اللعنة.
.. إن إعادة فحص ما كان مقدسا لنا ونحن يافعون يجعلنا نبتعد عن هذه القدسية... هل تؤثر فيك الصلوات حقا؟ من هم سكان إسرائيل حاليا؟ من هم اليهود. إننا إذا استسلمنا لهذه الخرافة نكون مثل عالم الذرة الهندوسي الذي يعبد بقرة.
لمصلحة من نحن هنا؟ لماذا جيء بكل هؤلاء ليشتغلوا بهذا المشروع الفريد الذي انتج الغرور البشري، وتأصيل الخرافات.
هل ننفض أيدينا ونرحل" ص269، الأسئلة السابقة بمجملها تكشف زيف تركيبة الدولة، زيف الحجة المقدسة التي استندت عليها، وتبين الشتات الفكري الذي يفرض نفسه على كل عاقل، على كل من يفكر فيما جرى ويجري في (أرض الميعاد).
وهناك أسئلة تؤكد حالة الخلل في بنية ودور دولة الكيان، فحالة شك وريبة تلازم وجود دولة الاحتلال، وحتى يقين بأن هذه الدولة غير طبيعية، غير سوية: "هل يؤذيك قوله أننا متورطون في مهمة أكبر منا؟
...إذا تخلينا عن يهوديتنا سنكون عرضة لافتراس الشعوب، هل يضمن أحد عكس ذلك؟" ص312، نلاحظ أن هناك بعد فكري/وجودي في الحوارات/الأسئلة المطروحة، وإذا ما توقف عندها أي عاقل، سيجد أن دولة الاحتلال في طريقها إلى الاضمحلال والزوال.
ملاحظات
هناك بعض الملاحظات في الرواية، بمجملها متعلقة بالطباعة، جاء في الصفحة 110، "هبوب" وأعتقد أن الصواب هو الحبوب، وفي الصفحة113 جاء" أننا ك لنا" الكاف وما بعدها زائد لا حاجة له، وفي الصفحة 120:لا جبال" والصواب لا جمال، وفي الصفحة 151"خمسي ن" الصواب خمسين، وفي الصفحة283: "لوحت لاوباما الذي يتفقد قائمة كتبها" عبارة غير مفهومة، وفي الصفحة258: هناك عدم تواصل في هذه الفقرة: "أوكار
المخربين" وفي الصفحة 287 نجد "ت شد" مقطوعة والصوب تجميعها لتكون "تشد"
الرواية من منشورات الرعاة للدراسات والنشر، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2023.
قد يكون رسمًا توضيحيًا لـ نص
إرسال تعليق