قراءة
نصية في قصيدة " إلى غَزَّة
"
للشاعر الأردني الدكتور ابراهيم
علي الطيار
- هاشم خليل عبدالغني
.
قيلت في طوفان الاقصى والعدون
على غزة العديد من الأشعار العربية، وممن كتبوا عنها الشاعر الأردني الدكتور
ابراهيم الطيار رئيس منتدى الشعلة الثقافي – اربد – بني كنانة .. فقصيدته ( الى
غزة )التي يشيد بها بالمقاومة الباسلة وصمودها الأسطوري، رغم جرائم الصهاينة من
قتل للاطفال والنساء ، وتدمير البيوت وتشريد الأسر ، انها حرب الطاغي والطغيان .
وفي هذا النص المميز يعبر
الشاعر عن ثبات أهل غزة وصمودهم مما يقوي من شكيمة الشعب العربي الغاضب ... فقصيدة
" إلى غَزَّة " تعبر عن أعمق وأصدق الصراعات فى زماننا- الصراع من أجل
فلسطين،فالشاعر يرى أن غزة أرض الصمود والألم ، لشعب يتوق إلى تحقيق حق
تقريرالمصير ،شعب يواجه قوى الاحتلال والظلم والتشرد،وعلى رأس هذا الصراع المسجد
الأقصى ، رمز للهوية والايمان والمقاومة ، ومصباح للرفض والاستسلام ، وهو تجسيد
لتطلعات جيل يسعى لتحرير وطنه ..لهذا كان طوقان الأقصى ، بقيادة المقاومة في غزة .
يخاطب الشاعر الطيار غزة
بمشاعره المتدفقة ، معلنا تضامنه مع مقاومتها ، ومتعاطفا مع محنتها المستمرة، رغم
الصعوبات المستمرة في مواجهة التحديات الهائلة، محتفيا بقوتهم وصمودهم دفاعا عن
ارضهم وتراثهم .
قولي لهم ( للصهاينة ) يا غزة
أننا اصحاب الأرض المقدسة ،وأننا رجال الحرب والشجاعة ، فأنت أرضنا الحبيبة نفديك
بكل غل ونفيس، قولي لهم أننا نتحداكم ،وانا هنا باقون متجذرون في أرضنا صامدون،ما
دام رجالنا في ساح الوغى يقاومون ، فيوم الطوفان العظيم يوم طغى على غيره من
الأيام ، طوفان مجد وأبهة وسؤدد، سبب للعدو الصهيوني كوارث كبيرة معنويا وماديا ،
جاء هذا الطوفان بصلابة وسواعد رجالنا الثابتين الأشداء
.
يصف الشاعرشباب المقاومة بأنهم
شباب صدقوا واطاعوا الله ورسوله ،تحلوا بالفضائل ( الظهر والنقاء والعفة) هدفهم
التحرير والعودة وحق تقرير المصير ، من خلال المقاومة بكل اشكالها وخاصة الكفاح
المسلح .
قُوُلِي لَهُم، إنِّي هُنَا
المِحرَابُ // قُوُلِي فَدَتكِ مَآذِنٌ وقِبابُ
قُوُلِي لَهُم، أَنِّي هُنَا
مَزرُوعَةٌ // ما دامَ في سَاَحِ الرَدَى أحبَابُ
طُوفَانُ عِزٍّ بَارَكَتهُ
سَواعِدٌ // تَهوَى الوغَى وَعَلى الأَكُفِّ حِرابُ
هُم فِتيَةٌ قَد آمَنُوا
بِرِسَالةٍ // يَرجُونَ مَرضَاةَ الإلهِ فَطابُوا
يواصل الشاعر ابراهيم الطيار
اشادته واعتزازه بابطال غزة ، فيؤكد أن غزة ستظل عصية على الغزاة ،ولن تركع الا
لله ، وستظل منبعا للأمل والعدالة وشهادة عز لروح شبابها القوية ،الذين يقدمون
ارواحهم ، صلة وتقرباً لله واكراما لمسرى رسولنا العظيم ، كي لا تهتك حرمته ،ليظل
نقبا سليما من نجاسة وأدران الصهاينة الغرباء.
شباب جادوا بأنفسهم الطاهرة
النقية، وبذلوا التضحيات عن طيب خاطر، في حربهم مع الاعداء دون خوف اوحذر ،بارادة
قوية ثابتة وصلبة ،استجابة لأمر الله ورسوله
..
يُهدُونَ قُدسَ نَبِيِّنَا
أَروَاحهُم // كَي لا يُدَنِّسَ طُهرَهَا الأغرَابُ
بَذَلُوا النُفُوسَ زَكِيَّةً
لَم تَنحَنِي // مَاَ بَدَّلُوا يَومَ الوَغَى أَو هَابُوا
فِي الرّاحِ سَيفُ عَزِيمَةٍ
وكَرامَةٍ // وبِهِنَّ مِن هَديِ الإلهِ كِتابُ
ويشيد الطيار بهجوم المقاومة
المباغت على غلاف غزة المحتل ،الذي اتسم بالتخطيط المحكم وسهولة التنفيذ، هذا
الهجوم الذي اصاب المحتل الصهيوني بالصدمة ، خاصة وأن المقاومة أسرت وقتلت المئات
من المستوطنين ، أثناء اقتحامهم لتحصينات العدو بمدافعهم وقنابلهم الحارقة
فأذاقوهم الذل والهوان وحولوا حياتهم لجحيم لا يطاق ، بصبرهم وثباتهم مبتغين النصر
أو الشهادة ، شباب زينت سواعدهم بالبطولة ، فالدين والايمان
بالحق لهم ثياب عز ومنعة
.
حَرَقُوا السِّيَاجَ مَدافِعَاً
وقَنابِلا // يَصلَى بِنارِ جَحِيمِهِم ويُذَابُ
هِيَ عَزمُ أورِدةٍ وَصَوتُ
شَهَادَةٍ // بالحَقِّ نَحوَ تُرَابِهَا أَسرَابُ
هذِي السَواعِدُ وشِّحَت
بِحِكايَةٍ // إنَّ الكَرامَة َ للرِجَالِ ثِيابُ
يخاطب الشاعر"الطيار"
غزة الخير والجود والعطاء ملتمساً منها أن تكون قنديلاً ينير طريقنا ، فالنصر قادم
لا محالة ،رعم اعراض بني يعرب عن نصرتها، ويطالبها ان تننشر أريج وعطر وقوة وشجاعة
وحنكة رجالها في سماء العروبة ، كي تفتح ببطولتكم أبواب النصر والتحرير ...
فللرجولة رجالها فهي هبة وعطية من الله تعالى الذي لا ينفذ عطاؤه وجوده، لرجال
يطلبون الشهادة أو النصر
.
ياَغَزَّةَ الأَخيَارِ كُونِي
مِشعَلاً // فَوقَ الوُعُودِ فَحَدُّهُم إضرَابُ
ولْتَنثُرِي عَبقَ البُطُولَةِ
فَوقَنا // كَيمَا تَذُوبُ بِعَزمِنا الأَبوَابُ
قُولِي لَهُم إنَّ الرُّجُولَةَ
صنعَةٌ // عَاَثَت بِهَا الأَصواتُ والأَنسَابُ
هِيَ مِنحَةُ اللَّهِ الكَرِيمِ
لأَنفُسٍ // ترجُو الجِنَانَ ضَراعَةً، فَتُجَابُ
قصيدة تحرك القلوب والعقول ، وتحثنا على العمل والفهم والتعاطف مع أهلنا في غزة ، انها صرخة من أجل المقاومة والعدالة
وفي نهاية القصيدة يشير
الشاعرالطيار بذكاء وحنكة للتحولات الكبيرة في البيئة العربية،التي جعلتها أقل
التصاقًا بقضية فلسطين بعد التبني العربي للمسار السلمي واقامة علاقات مع الكيان
،تحت الطاولة وفوقها ، وقد تعمق هذا المسار بعد اتفاقية اوسلو عام 1993م .. فتحول العمل
المقاوم الى " عبء " بعد أن كان واجباً
.
فيخاطب الشاعر غزة طالبا منها
أن تدعو لنا كعرب ومسلمين بالبركة لتطهير قلوبنا من الخنوع والاستسلام ، ليكن لنا
كرامة وحظوة عند الله ورسوله والمؤمين ، انا على اعتابك يا عزة تلاميذ نتعلم دروس
التضحية والفداء ،لتوجهيننا لنعود لعقولنا وصوابنا وطبيعتنا العربية الاسلامية ،
لتكون لنا ارادة ثابتة صلبة ونافذة ، ولتكن تضحياتنا افعالا ..فالتضحية لا يقبلها
الا الشرفاء ، ولا يمكن أن تمحى من ذاكرتهم
.
يَا كُلَّ غَزَّةَ بَارِكِي
أروَاحَنا // إنَّا عَلى عَتَباتِكَ الطُلَّابُ
ولتُرشِدِينَا كَيفَ نَرسُمُ
نَيزَكاً // نُحيِي العَزِيمَةَ، والدِّمَاءُ جَوابُ
يواصل الشاعر مخاطبة غزة ...
ياغزة الحرة الأبية قولي للصهاينة المحتلين، أن أمتنا العربية الاسلامية ، أمة حية
لا تموت ،فنحن العرب الكنعانيين أول من سكن فلسطين ، نحن أصحاب الأرض وهي لنا حقّ،
طال الزمن أو قصر..وأنتم يا شذاذ الآفاق طارئون عليها غرباء، جئتم لأرضنا من شتى
بقاع المعمورة . . عودوا أدراجكم من حيث جئتم ايها المحتلون الأغراب
، فأحلامكم وخزعبلاتكم وأوهامكم لن تتحقق على أرضنا لأنها بعيدة عن الواقع
والحقيقة، بفعل جسارة وصلابة رجالنا المحتسبين الأشداء المخلصين لواجبهم الوطني
والديني .
يَاغَزَّةَ الأَحَرَارِ
قُولِيهَا لَهُم // نَحنُ الحَقِيقَةُ، إنَّكُم أَغرَابُ
عُودُوا عَلى كَفِّ الرّدَى
وَتَنَاثَرُوا // أَحلَامُكُم عِندَ الرِّجَالِ سَرابُ
وينهي الشاعر قصيدته بنداء لأهل
غزة ، يا أهل غزة اصفحوا عنا .. نحن العرب وصلنا إلى مرحلة لا نستطيع فيها أن
نحرّك ساكنا، فاعذرونا فأيدينا مكبلة ،لا قدرة لدينا على المواجهة ، فنحن عاجزون
عن مساعدتكم وعليكم عدم إحراجنا.
يا أهل غزّة .. ليس لكم غير
المقاومة، وندرك تماما بأنّكم تدافعون اليوم عن شرفنا وكرامتنا، أما عربان الردة
فلا تصدقوهم ، فقد استساغوا الذلّ والهوان والتصهين، فأنتم فقط ما تبقّى من أمّة
العرب.
يَاَ كُلَّ غَزَّةَ سَامِحِي
عَثَراتِنَا // فِيكِ الرَجاءُ، فَجُلُّنا كَذَّابُ
وخناما نؤكد أن قصيدة الى غزة ..
قصيدة تحرك القلوب والعقول ، وتحثنا على العمل والفهم والتعاطف مع أهلنا في غزة ، انها صرخة من أجل المقاومة والعدالة ، لقد ابدع الشاعر ابراهيم الطيار في وصف مقاومة غزة ، المطالبة بالحرية والكرامة ، بلغته الشعرية المألوفة ،الشفافة ، الواضحة ، بعيدا عن الرمزية المبهمة ، باسلوب سلس حيث تجد فيها الأمر والنهي والاستفهام ، والنداء ، وعمق المعاني وترابطها ..
إرسال تعليق