-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

محمود البنا / إضاءة وتجوال داخل رواية خرافة الياسمين / ل شاكر نواصره

الإنسان بالنسبة للإنسان ، رمزية ..

ليس غير  رمز  مشفر ..

تماما كانت شخوص الرواية بالنسبة لي مبهمة ، كما تبهم ورود معروضة على واجهة زجاجية ( فاترينا ) ، في محل ما من محلات لندن حيث تجولت  مع تمارا  ، تشتري الوردة  فتعرفها بعد ان اشتريتها ، فلا تعود رمزية ، وتصبح حقيقة  ، ويصبح  من واجبك التأقلم  واعتياد الرائحة حتى لو كانت غريبة ، او غير متوقعة ، يصبح من واجبك فهم الزهرة  بعد شراء رمزيتها ، يصير لزاماً عليك  فهم الكل  ،بعد ان اخترت الرمز وحده ، ولربما كانت ياسمين زهرة  شاكر التي احتاج  للتأقلم مع تعقيدها البالغ ، بعد أن اختار رمزيتها فقط ، فكلفته رواية كاملة ، احتاجت من جهده وسهره  ما احتاجت .

كان من الجميل أن  أرى المرأة لأول مرة بالصوت والصورة ،  لأول مرة اجد من يترجم الأصوات الغير المسموعة الصادرة من جمال امرأة ، واتيقن بان للجمال صوتاً عدا صورته ، كنت اقرا صفحات الخرافة ملتمساً الرائحة التي عبقت ، وامعنت في  تشكيل تفاصيل المرأة ، فتفاصيل المرأة في خيال  الكل واضحة ، لكن قل من يرسم التفاصيل بالكلمات ، كما فعل  هو في خرافة الياسمين ، كان طوال السطور ، ينحت بإبرة دقيقة ، تفاصيل التفاصيل ،  يضرب في صخر  جسد نساء كثر  استلقين على سطور صفحاته ، فيعبق من رخامهن حبق وعطر ، الصدق أقول أنني كقارئ او ناقد  نسيت  بأن للنص اساسيات كتابة ، نسيت أصلا بأنني أقرأ نصاً ، ورحت الهث وراء الرائحة والرمزية ،  أحاول فك  مبهم الاحجية ، حزيناً على يعقوب  ، ومتسائلاً كم يعقوباً في اعماقنا  قتلته خيوط  الهيام والتبعية لمخلوق اخر  ، مخلوق  لربما أراد (شاكر  نواصره) ان يجعله خرافة او وهماً لأنه لا يستحق ان يكون حقيقة ، فمعايير الجمال ظالمة ، والاستيلاء على الاخر  جريمة لا تقرها كل مواثيق البشر ، الا ميثاق الحب ، يعترف  بها ويقر باستيلاء  طرف على اخر الى حد الغاء الكيان الاخر ، كحرب كيانين ، اعتراف  قوي  بأحقيته  بالسلطة المطلقة لا اكثر ، لازال البشر الى اليوم عاجزين عن  رفع هيمنة الحب وسلطويته عن  ملايين المظلومين في هذا العالم الذي يتسع للملايين ، ويضيق خلال عينين  جميلتين .

لا ادري إن كان (شاكر نواصره) ، قد كتب الرواية عن تجربة خاصة ، لكنني اشتممت بين أوراقه  رغبة بالثأر من  طرف ما ، استشعرت بأن الجرائم التي ارتكبت بين طيات الكتاب قد وقعت  عليه بالأصل ، فأحب التشهير بالجناة ، جناة الحب ، في صفحات قرأناها جميعاً  وبحكم جمال الصدفة ، في نفس المكان حيث جرت احداث الرواية ، في شارع الجامعة ، امام بسطة الكتب ، حيث نجتمع ونتفرق، نأتي ونذهب  ، نغرق ونطفوا على السطح كل يوم ، الى ان وجدنا خرافة الياسمين تضع المكان كله في طيات كتاب ، المكان كله صار داخل كتاب  بالرغم من اتساعه لألاف الكتب ، المكان مليئ بالكتب ، المكان يحتوي الرواية ذاتها تستلقي على الرصيف مثلنا ، والمكان موجود في طيات الرواية ، لتتكون دائرة غريبة نادرة الحدوث ، حدثت فقط في طيات  راوية ( خرافة الياسمين )  ، مكان يحتوي كتاباً يحتوي المكان في داخله .

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016