بين الرثاء والذكرى مساحة حلمين
يرقدان على ضفة الغيمة، وبينهما يجد المعنى ظلاله ومستوياته، وفي أتونهما يُستفز
الخيال ويتقدم إلى دوائره اللاقطة، تلك هي مسيرة الشاعر د. إبراهيم الكوفحي الذي
استهل، مساء أول من أمس، فعاليات الأمسية الشعرية التي نظمتها بلدية إربد الكبرى
بالتنسيق مع فرع كتّاب إربد.
من أجواء قراءات الكوفحي:
"تذكرت أيم الشباب وإنها
لأيام جد ما عرفت بها هزلا
إذا ما لها حولي الرفاق رأيتني
أخوض البحار الهوج استعذب الهولا
يصيحون: مجنون ألا ارجع وإنني
لمستمع إذ أمخر الموج والليلا
و إذ أصرع الحيتان من كل جانب
تود انقلابي كي أكون لها أكلا
أغذ الخطى نحو الجبال بعيدة
ليحضنني عن اللقا الجبيل الأعلى".
الأمسية نفسها التي عكس مراياها
الشاعر أحمد شطناوي رئيس فرع كتّاب إربد، حضرت فيها إربد بكامل عنفوانها، وتجليات
خصوبتها، عبر مدارج الشاعر د. راشد عيسى، وهو يقدّم للساحة السماوية وجمهورها باقة
من انفعالات توقه للجمال، وانصاته إلى هديل الحمام وهو يقترب من فخاخه، ذلك
المعراج الذي هيّأ له ما أراد من أسئلة غير آبهٍ بحضور أجوبتها بقدر سعيه إلى تفكيك
ما هو واقع، أو كان واقعًا، أو منزاحًا إلى خيمة الانتظار.
ومن حفريات عيسى:
"سيدتي أرقُ من حمامة
من حقها عليّ حين تبكي
أن يحتسي فمي دموعها
فلا يجوز أن يمتصها المنديل
ثم يرتمي في سلة القمامة".
البداية إذًا، كانت مع رئيس بلدية
إربد الكبرى الدكتور المهندس نبيل الكوفحي الذي قدّم إربد كما ينبغي، بجمالها
وجنونها وتحولاتها بواقعية المتأمّل الذي يرى فيصغي، ويصغي ليرى، مشدودًا إلى جذورها،
ومهيّأ لها سبل النور عبر تفاصيل كثيرة عزف على أوتارها، خدمية كانت أم ثقافية،
متخذًا إلى ذلك سبيل الشراكة التي أكّد عليها.
بين انفتاح كرّاس الواقع المأمول
للبلدية وطرائق التخييل عند الشاعرين الكوفحي وعيسى، لم يتوانى الفنان أحمد دخان
من النظر موسيقيًا إلى ورود الحقل وغيوم الممرات ومنازل الأمل عبر جملة من
المقطوعات المصاحبة لفتنة الشعر، والأغنيات التي جرَّ ألحانها على أوتار عوده،
وداعب كلماتها بصوته الجبلي.
البلدية ممثلة بعمدتها الكوفحي،
كرّمت الشاعرين الكوفحي وعيسى، وكرّمت الشاعر شطناوي، وقبل ذلك كرّمت جمهور إربد،
وهو يتسلل خارج الساحة السماوية، بما أراد من فتنة الشعر والموسيقى.
إرسال تعليق