عن سر الإبداع والشعر في واق الواق نزيه أبو نضال
الاستنتاج الرئيسي الذي توصلت
إليه بعد مرور أقل من أسبوع على وصولي إلى "واق الواق" هو أن سكان هذه
البلاد يعيشون في سعادة غامرة وشاملة.
ولأننا، كما تعلمون نفكر بالحزن لحظة أن نتذكر
السعادة، فنقول إذا ضحكنا: الله يستر من هذا الضحك ، أو : يعدي هذا الضحك على خير
، فقد تولد لدي سؤال هام:
إذا كان شعب "واق الواق" سعيداً فكيف
يستطيع أن يبدع كل هذا الشعر والغناء والموسيقى..الخ..؟
أليس الإبداع كما نعرف هو الابن الشرعي من زواج
الألم والمعاناة؟ فترانا على الدوام نغني للآه ولليل وللعين والقلب المجروح ،
وانتم بالطبع تحفظون بقية القائمة.
أحد الشعراء كان يتمنى دخول السجن ليقف خلف
القضبان ويهزها ليبدع أشعاراً جديدة، وبالفعل فقد أوقف مرة لمدة 24 ساعة فخرج من
السجن بأربع قصائد عن معاناته وراء القضبان. ولعل أعظم فرصة للشاعر في بلادنا أن
تهجره حبيبته ليكتب لها أعظم قصائد الحب، أو أن تضيق أمامه فرص الحياة فيكتب عن
معاناة وعذابات الإنسان.
انظروا مثلا إلى أغاني الأعراس، أفلا تحسون مثلي
بأن لحن "اتمختري يا عروسة وتهني" يصلح لمرافقة شاة إلى المسلخ لا
لمرافقة عروس إلى مخدع زوجها؟
لقد اطلنا الحديث عن إبداع الألم في بلادنا
بينما نريد أن نحدثكم عن إبداع الفرح في "واق الواق" ، فنرجو المعذرة
" فالإناء بما فيه ينضح" كما يقول مثلنا الشعبي.
لقد لاحظت أن قاموس الأغاني والقصائد في
"واق الواق" يكاد يقتصر على مفردات الفرح والحب والزهور والموسيقى
والتواصل والعمل والضحك والأطفال. وأهم ما يميز مضامين هذه الأغاني والقصائد هو
الروح الجماعية والإحساس بالآخرين في كل لحظة. ذلك أن مقياس السعادة في "واق
الواق" هو أنني أكون سعيدا بقدر ما أعمله من أجل إسعاد الآخرين.
أما الموسيقى فهي نبض النشوة الراقصة التي تستمد
مفرداتها من زقزقة العصافير وتغريد البلابل ومعزوفات الكروان والحسون. إن متعة
الاستماع إلى موسيقى "واق الواق" لا تضاهيها متعة في العالم، وكنت أتمنى
أن يقدم هذا المقال في الإذاعة والتلفزيون لأسمعكم بعض هذه الموسيقى.
وحتى في الرسم فأنت تقف مندهشاً ومأخوذاً أمام
زهو الألوان وفرح الخطوط والتشكيلات.
غير أنني لا استطيع للأسف أن أقدم لكم هنا رسما
أو أغنية أو قطعة موسيقية ولكني استطيع أن أقدم مقاطع من قصيدة واق واقية. ولا شك
أن ترجمتها قد أفقتدها الكثير من الحيوية والموسيقى الشعرية ومفردات الفرح
المفقودة في لغتنا. تقول مقاطع القصيدة:
ها أنا أطلقت كل أقماري وشموسي
من أجل أن يظل قلب حبيبي متوهجا بالفرح
ولكي ترتفع ضحكات الأطفال
وتغمر الآفاق
في "واق الواق"
*****
ها أنا احفر طريقاً في الصخر
واعبده بالريحان والزنبق
من أجل أن يخطو عليه حبيبي
ويخطو عليه كل محب ومشتاق
في "واق الواق"
*****
ها أنا أصنع فاكهة بطعم النشوة
وأكور بالحب رغيفاً كوجه الأم
ليتقاسمه كل العشاق
في "واق الواق"
*****
سأرسم لك طعم الخبز
ولون الماء
ورائحة الزعتر
سأرسم لك صوت الموسيقى
وأغاني الأطفال
ليتمتع بالمشهد كل الرفاق
في "واق الواق"
****
إرسال تعليق