مراوغة للنسيان أنور الأسمر
ضوءٌ يلمعُ
من جرسٍ خفيفٍ يَدُقُّ الباب
والباب لا يفهمُ زائرَه
أو كأنه لا يريدُ
بريدٌ من نجمةٍ خائفةٍ
يرتدي الماضي مثلَ غدٍ نحيلٍ
أو كأنَّ غداً لا يُرَى
أرى ما يُشبه الأغنية
كيف أعرفُ أنها أغنيِّة؟
وكيف أُرَتِّبُ النسيانَ
ليفهمَ البابُ أنَّ زائراً جاء
ليحتسي قهوته مع النسيان
وأنْسَلُّ من بينهما إلى ما يشبه
الأغنيِّة
والنسيان لا ذَكَرٌ ولا أُنثى
لا يتزوجُ في أرضٍ تركْتُ
فيها خطايْ
ولا يتكاثر في أرضٍ جاءت
إليها خطاي
النسيان عنقاء أمسٍ خائفٍ من النوم
سرابُ غدٍ يلهثُ وراء غده
في المرايا ليكسرها
ويخرجَ سالماً من ماضٍ أباح
دمه حين شاء التمرد
النسيان كذبة الفرحين في دفاترهم
على رصيف الكلام
كلُّ شيءٍ شبهه لا هو
غير ما تُوَضِّحُهُ المرايا على وجه الغريب
كأنّي بقيتُ هناك حين أتيتُ هنا
ولم يأتِ فرحّ صغيرٌ
ليقفزَ للطفولة
ويُمَيِّزَ الألوان على ثوب جارتنا
المُطَرَّزِ بالبرتقالي والشوقِ إلى الغريبِ
حيثُ كنتُ لا أفهم المعنى
أو لا أريدُ
ولكني كنتُ أجاورُه
لأنامَ بين حرفين وأحتضنَ النجوم البعيدة
لأقرأ رسالةً غلَّفَتْها جارتُنا بتنهيدة
وسَلَّمَتْها الرياح
وكنتُ لا أَحْسِن الجواب للشاعر المهزوم
بأسئلة لا جواب لها
لماذا أتيتَ هنا حين بقيتَ هناك
وتُصِرَّ على اختزال الأرض في لعبة الذكرى؟
قد يكون حلمٌ آخرٌ تَفَلَّتَ من قناصه عند الفجر
قبل أن تُكْملَ نومكَ
واختفى خلف السياج
تَعَرَّفْ عليه
ولا تُعَرِّفْهُ بذكرياتٍك
مكثتَ في البئر طويلاً
ولم تلتفت قافلةٌ إلى نومِكَ
لتوقظَ بحوافر خيلِها صورتك
وتلتقي بك خلف الغبار
تَعَرَّفْ عليه
قد يمُدُّ حبل النجاة إليكَ
وإنْ تَمَكَّنْتَ من النسيان فاحذر من الصدى
للصدى وجعٌ تَعَوَّدْتَ عليه
وللصدى ثوبٌ قد يرتديه الصوتُ ليخدَعَك
خُذْ ما تَبَقَّى لك بعد هذا اليوم
من أيامِكَ التي وَصلَتْ سالمةً من حربها مع
الذكرى
اخلعْ زيَّ المحارب عنها
وازرعها خضراء على يديكَ
وَدُلَّها على شبه الأغنية
وعلى زهرةٍ قد تنمو معَ الحلم خلف السياج
لَمِّعْ غدَكَ بكوكبٍ لم تغتاله الذكريات
بِظِلِّها
خُذْ من أمسكَ هدنةً
وجَرِّبْ غيابكَ عنه
قد ترى أُمَّكَ في انتظار ولادتك
تَغذَّى من حليب طفولةٍ أخرى
واكبَرْ على يديها من جديد
وتَرَفَّقْ بالشاعر المهزوم بأسئلة لا جواب
لها
ولا جوابّ غيرَ تبديل السؤال..
إرسال تعليق