أن تكتب عن يوم غير عادي يثير في نفسك الاشمئزاز من كل شيء، فأنت تتحدث عن يوم غير عادي، أي هو مختلف عن أيام أخرى عشتها أو ستعيشها، وهل يوجد في الحياة يوم غير عادي ويوم عادي؟! لا أستطيع أن أحسم الفرق بينهما، ولكن كلّ ما أستطيع قوله يقع في دائرة الاستثناء.
أن تراقب في يوم غير عادي أخبار انتشار الكورونا، والخوف الذي يسكن أطراف الناس في بلادنا، رغم أنهم لا يعبأون بالاحتياطات الصحية، وكأنما ينتظرون سماع خبر حظر شامل، وقد كتبتُ على صفحتي تحذيراً من الحظر الشامل قبل أن تعلن الحكومة إجراءاتها عن الحظر الشامل في منتصف شهر آذار الماضي، وقلت إن الحظر هو أخطر من الكورونا نفسها.
أن تراقب ارتفاع درجات حرارة الطقس في موجة غير مسبوقة تجتاح البلاد، يدفعك للبحث عما يخفف عنك حرارة تصفع وجهك ساعات الظهيرة، وتقضّ مضجعك ساعات الليل، وما لك حيلة إلا مروحة كهربائية، أو مكيّف تبريد يلّوح لك من بعيد بما يترتب من زيادة على فاتورة الكهرباء، فتتحسس جيوبك المثقلة بالديوان المتراكمة عليك، فتجيّرها شهراً بعد شهر أو تتمثّل القول: تلبيس طواقي.
أن ترقب أسعار الخضار والفواكه في صعود وهبوط،
تكشف عن جشع التّجار، فتحتار زوجتك بصنع غداء اليوم، ولا تسمع إلا تذمّرها (ازهقنا
اللحمة والدجاج)!
أن تراقب أخبار السياسية فتصاب بغثيان يتبعه تقيء،
وقد تصاب بإسهال، فتخشى أنك مصاب بأعراض الكورونا! ثم يتبين لك أنك مصاب بخيبات
العرب الممتدّة على ساحل الخليج العربي ومحيطه!
أن تراقب أخبار الثقافة، فلا تجد إلا خربشات الكتّاب، الذين يسوّدون
بياض الورق كي يبيّضون قلوبهم المعتمة في زوايا الوهم، فيعيشون كذبة التغيير!
أن تراقب أخبار الناس فتصاب بالهمّ، وكأنك تحقق قول الشاعر العباسي سلم بن عمرو (مَن راقب الناس مات همّا.. وفاز باللذة الجسور)، فأخبارهم لا تسرّك، بل تزيدك همّاً على همّك.
فأي يوم هذا غير العادي؟! فأظن أنّ أيامنا جميعها غير عادية، ولا تستوقفني رسالة نزار قباني غير العادية، فهو شاعر، وأحلام الشعراء كأحلام العصافير، وهو القائل: هذه رسالة غير عادية، عن يوم غير عادي. قليلة جداً هي الأيام غير العادية في حياة الإنسان. الأيام التي يخرج بها من قفص بشريته ليصبح عصفوراً.
إرسال تعليق