*"واقعي مجازي غير متماسك أحيانا ويحمل ربما بعدا سيرياليا في النهاية": لكنه شيق يخلو من الميلودراما والتصنع وفقر التعبير والاستعجال والرغبة الكاسحة بالنشر والتبجح والادعاء كما نلاحظ في سيل القصص والروايات السائد حاليا:
*زكريا تامر صاحب "الأسلوب المبتكر والبساطة
الخادعة":
الفائز بجائزة سلطان عويس للقصة للعام 2001:
*ثلاث قصص من مجموعة تكسير ركب: نموذج إبداعي:
*...ولم تمض سوى أيام حتى عثر على عثمان المدان ممزق الجسم بطعنات كثيرة من خنجر أو سكين، وأفاد آخر من رأوه حيا انه صلى العشاء في مسجد الحي خلف الشيخ صالح المدني، ثم غادره قاصدا بيته القريب، فلم يتح له الوصول إلى بيته، وبكت زوجته نائلة حتى تورمت عيناها، واكتست ثياب الحداد، وأقسمت أنها لن تخلعها ما دامت حية، فأشاعت فريال زوجة بكري (المكيودة) أن نائلة لبست الثياب السود حزنا على قطتها زين التي دهستها سيارة عابرة: باعتقادي المتواضع النزيه أن القصصي البارع أخفق هنا ولم يوفق أبدا بهذه النهاية المصطنعة اللاواقعية وتورط بحدوتة لا يمكن تصديقها محاولا التعبير بعجالة عن "النفاق والباطنبة" في مجتمعاتنا العربية الشعبية!
*هرع إلى الغرفة المخصصة للأطباء، راغبا في الزعيق المؤنب حتى يبح صوته، فوجد فيها أربعة أطباء يحتسون البيرا ويدخنون السجائر، فلم يقفوا احتراما له...ثم جلس على كرسي قبالة جهاز التلفزيون محملق العينين، فرأى أحدث الطائرات الحربية تلقي أكياسا ضخمة معبأة بالقمح والسكر فوق بيوت من طين عتيقة مبعثرة على ارض جرداء، فتدفن السكان تحت الأنقاض: كثافة التعبير جلية هنا مع بعد مجازي-سيريالي صارخ واستفزازي!
*...فقال لها أنها قد كوفئت على حياتها الحافلة بأعمال البر والإحسان، وستصحو من نومها لتجد نفسها قادرة على الطيران، فاستيقظت توا، ووقفت في شرفة منزلها، وحاولت ان تطير، فاذا هي تنجح في الطيران كأنها طائرة صغيرة سريعة، فطارت واختفت عن الأنظار، فانتظرها الرجال بقلق ولهفة، ولكنها لم ترجع، فعللوا غيابها الذي طال بأنها ضلت الطريق في السماء الرحبة، وربما طارت فوق ارض محرمة: نهاية سيريالية مجازية فائقة الدلالة والمغزى، وربما تذكرني بنهاية فيلم أمريكي "اوسكاري" شيق يتميز بقوة التعبير والحبكة مصور بطريقة فريدة "وان شوت" (نمط اللقطة الواحدة) شاهدته منذ سنوات ويدعى "بيردمان"/ الرجل الطائر(2014)، علما بأن المبدع تامر سبق أحداث نهاية الفيلم الأمريكي اللافت بحوالي 13 عاما تقريبا وهذه دلالة عبقرية لم ينتبه أحد إليها، فالطيران في الحالتين كان يعتبر بمثابة مكافأة على حياة حافلة بأعمال الخير والنجاح والانجاز والمعاناة:
هذا الفيلم الغريب الذي يتناول قصة ممثل سابق (أبدع بتقمص الشخصية مايكل كيتون) كان يؤدي دور بطل خارق، وهو يحاول هنا جاهدا استعادة شهرته وكاريزميته النجومية كممثل مسرحي، وقد صور بطريقة "مسرحية" عبر"مونولوج" إيقاعي متصاعد طويل مستعرضا بشكل مشوق ومبتكر خيبات وهواجس واستعدادات الممثل "المتقاعد" والمنسي، والذي يسعى ثانية بحماس لإعادة إطلاق مجده "المطفي" عبر مسرحية جديدة، مستخدما ممثلا شابا مشهورا جذابا للنساء وعابث ولا مبالي، وعبر أجواء سينمائية فريدة مدمجة مع لقطات فنتازية وموسيقى معبرة لاهثة وحوارات "غير مسبوقة" ذكية ومعبرة وساخرة، حيث نرقب بالتدريج خفايا المشاعر وتطورات حالة الممثل والمحيطين به وانطباعات الجمهور بتلقائية معبرة، كما بحالة مغادرته للمسرح "شبه عاري" بعد أن انغلق الباب فجأة من الداخل، أو كما بتصوره لهلوسات والكائنات "الخرافية الروبوتية" لأفلام الخيال العلمي السائدة حاليا، أو كما بطيرانه "الفانتازي" المفاجىء بأنحاء الحي،حتى تصل الأمور لذروة متوقعة وصادمة عندما يطلق الرصاص على أنفه قاصدا الانتحار (بالمشاهد قبل الأخيرة) وهو يتقمص دور الزوج المغدور والبطل الخائب، أو عندما يختفي من شرفة غرفته بالمستشفى وكأنه قذف بنفسه من النافذة، فيما تشير ايماءآت ابنته المذهولة "ايما ستون" لكونه طار من النافذة "كرجل طير خارق" وكأنه تحرر أخيرا من كل الضغوطات والهواجس والخيبات والإحباطات بعد تأكده من النجاح الساحق الذي حققته مسرحيته أخيرا...
*وبعد
فهذه مجرد أمثلة لافتة لفن كتابة القصة القصيرة التي باتت مجالا لكل من هب ودب،
وتحولت لخواطر وسرديات محشوة بلا حبكة وعمق يتغزل النقاد بها في عروض تشهير
تسويقية مزيفة ليحتفل كتابها بإبداع منقوص وشهرة لا يستحقونها ودور النشر برواج
مضلل (تجاري)، وقد آن الأوان ربما لوضع حد لمواجهة هذا "الإسهال الروائي-
القصصي" الجارف!
________
كاتب وناقد اردني/فلسطيني
إرسال تعليق