أهمية الكتاب الأدبي تكمن في مضمونه، وفي الشكل والأدبية واللغة التي تحمل المضمون/الفكرة، وهذا ما نجده في هذا الكتاب الشيق والممتع، فقد أستطاع الكاتب أن يمرر آراءه من خلال استحضار شخصية "أبي الندى" التي حاورها في العديد من القضايا الأدبية، فعلى سبيل المثل نجده يعالج الجوائز الأدبية، وكيف أنها تعطى لمن لا يستحقونها
وإذا علمنا أن الكتاب صادر في عام 1986 نصل إلى أن إثارة قضية الجوائز كان مطروحا منذ عقود، وأن هناك توافق واتفاق بين الأدباء على أن الجوائز لا تعطى لمستحقيها، وإنما تخضع لمعايير ومقاييس أخرى
كما تحدث عن سرقة الكتب، سرقتها المادية، وسرقتها الفكرية/المعرفية، وفي الحالة الأولى (غفر) لمن يسرق الكتب، بينما في السرقة المعرفية والعلمية أدان السارق
وقد نوه الكاتب إلى أهمية الكتب القديمة وكيف يتعامل معها من يعرفون قيمتها، من خلال حديثه عن بيع كتب قديمة في مزاد علني، وكيف أن البائع رفض بيع الكاتب تلك الكتب مع أنه دفع أعلى سعر، وعندما سأل الكاتب البائع عن رفضه إتمام البيع، أجاب البائع: "سأحرم ـ أنا المنادي ـ من فوائد هذه الكتب، وما تعود به علي في "نداء" قابل، ولكني أعطيها إلى غيرك من أبناء البلد لتعود إليّ يوما أنادي على بيعها فيكون لي منها فوائد أخرى" ص192
وتناول أيضا المؤتمرات العلمية وكيف أنها (فارغة) من العلم، وما هي إلا تجمعات لا تقدم ما يفيد العلم أو العلماء، كما تحدث عن الألقاب (دكتور) وكيف أنه هاجس العربي، حتى لو كان حامل اللقب فارغ من الجوهر، بينما في الغرب يكون الفعل وما يقدمه الأستاذ من أبحاث ومعرفة، هو الحكم والمعيار للحكم على إبداعه وحصوله على اللقب، وتحدث عن الشكل والمضمون من خلال قراءة القرآن الكريم، حيث وجد أن العديد من القراء ما هم إلا معجبين بأصواتهم كحال المغنين، ولا يتقنون فن تلاوة القرآن الكريم
كما تحدث عن المعاصرة والتراث وكيف أنهما يلتقيان لخدمة الأدب، وتحدث عن التجديد في الأدب والفن وأكد أن ليس كل تجديد مفيد، أو ينم على دراية ومعرفة ممن يستخدمون هذه المعاصرة/الحداثة، وأن هناك متسلقين أدبيا وفنيا، يهربون إلى الأمام تحت شعار المعاصرة والحداثة،
وتحدث عن عقدة العربي وفتنته بالغرب، مشيرا إلى أن الثقافة الغربية متغيرة وغير مستقرة، مستندا على موقف الغرب من الرقص الشرقي الذي انتقدوه، بقولهم إنه (إثارة للجنس)، وبعدها أخذوا يمارس هذا الرقص على أنه فن.
إذن الكتاب مفيد على صعيد المضمون والأفكار التي يطرحها، ولكن الأهم من هذا هو اللغة التراثية التي استخدمها الكاتب، فنجده يقدم أفكاره من خلال لغة أدبية تراثية لافتة: "فكم من أديب قد نال هذا "السحت" الذي أوصى به "نوبل" ـ لا غفر الله له ـ قد طوته السنون فلا يذكره لناس ولا يعرف المتأدبون شيئا من صحائفه السود" ص32، فهذه اللغة هي الجاذبة واللافتة في الكتاب
كما أن طريقة تسلسل المواضيع وتتابعها كان مميزا: "قلت رضى الله عنك شيخي أبا الندى، لقد أتعبتك وسعيت إليك وأنا واثق أني حملتك على الخوض في هذه الخطوب من شجون حديثنا، فهل لي أن أطمع منك بلقاء قريب؟
لا تثريب عليك فإن بي حاجة إليك، وإن لقاء بيننا لأعظم عندي درجة من كثير مما أضطرب فيخ سحابه اليوم من شؤون الناس، وإلى لقاء قريب وسلام عليك" ص74، هكذا كان الكاتب ينهي حواره مع نديمه، وهذا ما جعل القارئ يتابع الحديث بشوق ومتعة.
الكتاب من منشورات واسط للنشر، العراق، بغداد، الطبعة الأولى 1986.
إرسال تعليق