مجموعة قصصية أو تكاد تكون سيرة لشخصية من شخصيات البادية الأردنية في مرحلة ما قبل بدء جهود الدولة على توطين البدو وإلحاق أطفالهم في المدارس على أطراف المناطق المأهولة التي بدأت تشكل ملامح المجتمع آنذاك، سواء أكانت سيرة غيرية ترصد شخوص المجتمع وحركتها، أم سيرة غيرية تمثل حقبة من حياة الكاتبة نفسها، ولعلّ هذا أحد أسرار هذه المجموعة التي لم تكشف عنها خزنة إلى جانب مجموعة الأسرار التي تجسدها تلك الفتاة الذكية اللماحة وحيدة أبويها، التي ترعرعت في كنفهما، قبل أن تفجعها الحياة برحيل والدتها في فترة حرجة من عمرها، فقد كان لها عندهما حظوة من نوع خاص، ليست لغيرها من بنات زمانها ومكانها، وعلى الرغم من البيئة التقليدية التي تحكمها أعراف المجتمع البدوي آنذاك، كانت خزنة تملك كامل إرادتها، وتمارس حقها الطبيعي في التعبير عن القبول والرفض في مختلف القرارات المصيرية التي واجهتها هذه الفتاة منذ سنّ مبكرة.
تتناول المجموعة القصصية رصدا لمجموعة من الأحداث والوقائع اليومية والممارسات الحياتية لعائلة بدوية تعيش ضمن مجتمع بدوي ما يزال حتى ذلك الوقت يعتمد على التنقل طلبا للكلأ والماء، بحيث جاءت معظم أحداث المجموعة متتالية زمانيا ومكانيا، تبدو فيها مراحل حياة خزنة واضحة، منذ طفولتها وحتى نهاية حياتها، فبدأت بخزنة (الأم) الصغيرة ابنة العائلة البدوية البسيطة، وانتهت بخزنة الصغيرة ابنة خزنة (الأم)، التي توفيتْ أمها في سن مبكرة لتعيد سيرة خزنة (الأم) من حيث الذكاء والنباهة.
ولعل أهم ما يميز هذه المجموعة قدرة الكاتبة على ترتيب الأحداث زمانيا لترسم رحلة عمر كاملة لـ (خزنة) على هيئة رصد مجتمعي يعكس انطباعا واضحا للمجتمع آنذاك، والكثير من الأحداث اليومية التي تمثل جزءا من رحلة حياة الإنسان العادي، وبخاصة مجتمع البادية في ذلك الوقت، وما يدور في بيوت الشعر من قصص وحكايا، وممارسات المرأة البدوية الفطرية في محاولتها للحفاظ على بيتها وزوجها وشعورها بالغيرة من أي خطر قد يهدد استقرارها حتى لو كان هذا الخطر مجرد مطربة يجيء صوتها عبر أثير المذياع الوحيد في تلك الرقعة الجغرافية من البادية الأردنية، فيطرب لصوتها الأب ويهز راسه مع اللحن والكلمات، مما يثير حفيظة الأم وتعمد إلى تخريب ذلك المذياع، دون أن يستطيع أحد فكّ لغز خراب المذياع الذي جاء به والد خزنة من إحدى رحلاته نظرا لطبيعة عمله كـ (دوّاج) يشتري بضاعته من الحاضرة القريبة، ويتنقل بين أماكن تواجد القبائل لبيع بضاعته بحثا عن مصدر للرزق، فتحتفظ خزنة بذلك السرّ، ولا تبوح به لمخلوق إلى جانب مجموعة من الأسرار الشائقة التي تضمها هذه المجموعة القصصية.
تقع (أسرار خزنة) في 95 صفحة من القطع الصغير، وبالإمكان الانتهاء منها على جلسة واحدة، نظرا لما تتمتع به من لغة سلسلة قريبة من نفس المتلقي، مسبوكة في صيغ لغوية شائقة مُطعَّمة في كثير من المواضع بألفاظ من واقع البيئة البدوية تدفع القارئ إلى الانتقال من قصة إلى أخرى بحثا عن سرّ جديد، لتجتمع الأسرار معا في نهاية المجموعة مشكلة صورة كاملة لحياة خزنة ومجتمعها على هيئة سيرة بدوية.
إرسال تعليق