-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية
  • جديد الموقع
  • جاري التحميل ...
  • جديد الموقع
  • الناقد الحواري: الثبات في ديوان غيم على قافية الوحيد

    الثبات في ديوان غيم على قافية الوحيد محمد لافي
                  الناقد رائد محمد الحواري:  الثبات في ديوان غيم على قافية الوحيد محمد لافي


         بداية أشير إلى أن أهمية أي عمل أدبي تكمن في المتعة التي تأتي من خلال السلاسة، ومن خلال اللغة التي تنساب كالماء في فم الظمآن، ومن خلال المضمون الذي ينتشي به القارئ، كل هذا نجده في ديوان "غيم على قافية الوحيد" الذي نجد فيه حال المنتمي/المبدئي الذي يبقى ثابتا وقابضا على دينه رغم المغريات والمثبطات التي يتعرض لها، رغم انسحاب وانهزام بعضهم، ورغم شدة والواقع وقسوته، رغم مضي السنوات وتراجع الهمم وفقدان الأصدقاء، فالديوان يتحدث عن هموم (شخصية) "محمد لافي" لكنه يتحدث نيابة عنا، عن كل من بقى متمسكا بثوابته/بمبادئه، بعقيدته، بحزبه/بتنظيمه، وهذا ما يجعل القارئ يشعر وكأنه هو من كتب الديوان وليس "محمد لافي"— مع ‏محمد لافي‏.
    بعد أن نصل إلى خريف العمر، ونجد أنفسنا لم نتقدم إلى الأمام، وأيضا لم نتراجع، وكنا ثابتون، فنعزي أنفسنا بهذا الثبات والبقاء، وهذا بحد ذاته يعتبر إنجازا لنا في زمن (الواقعية).
         هذا الحال يقدمه الشاعر "محمد لافي" في ديوانه "غيم على قافية الوحيد" فنجد فيه ألمه كشاعر وكمواطن عربي، قدم عمره كله للوطن، لكنه بالكاد يجد قوت يومه، ليس المادي فحسب، بل الروحي، رفاقه القدماء، المبدئيين/المنتمين، من هنا يمكننا القول إن الديوان يمثل حال الثابتون على العهد/المبدأ، ويكشف حال أولئك الذي سقطوا وانساقوا وراء (الواقع) وانتهوا إلى الحضيض.

    نلاحظ وجود الزمن الماضي والحاضر "البعيد، الجوار" والمكان أيضا، ونجد علاقة الشاعر بأصدقائه الذين بدلوا/تخلوا (ورحلوا) عن الحزب/المبادئ


    الصراع الداخلي
         من هنا سيكون حال الثابت/المتمسك بالمبدأ قاسي وصعب ويعاني من (صراع) بين الاستمرار على مبادئه، أو الانسياق وراء الواقع، نجد هذا الصراع في قصيدة "أنا والشبيه":
    "وأصيح به كلما ضلت الخطوات بنا
    في ضواحي النضال البعيدات
    قف يا محمد
    أرخ أذنيك لي، واستمع جيدا يا محمد
    إن عذرية في ضميرك لو خدشت
    مرة حرقت
    والذي سيصير رمادا بدربك لن يتجدد" ص6.
        هذا الموقف يقودنا إلى حال "رجب إسماعيل" وكيف أمسى بعد أن سقط، فالشاعر هنا يؤكد أهمية الثبات/البقاء وعدم التقهقر إلى الخلف، ونلاحظ أنه يبتعد عن الأسطورة طائر الفنيق الذي ينهض من الرماد، مؤكدا أن الواقع غير الأسطورة، فلن يعود من الرماد أحد، وهذا ما يجعل طرح الشاعر (واقعي) كحال من يطالبه بأن يكون (واقعيا).
    ونلاحظ سرعة أثر الانهيار/السقوط الذي يبدأ بحدث بسيط/صغير بالخدش، ليصل إلى الحرق، وانتهاء بالرماد" وهذا ما أراد الشاعر إيصاله، الانهيار/السقوط يبدأ بأول خطوة، بشيء تافه، صغير، ثم تتسارع الحركة لتصل بصاحبها إلى الهاوية/الجحيم.
    الغاية/الهدف
    الحزب/التنظيم/المبادئ وجدت لخدمة الشعب، فالشعب هو الغاية لأي عمل وطني/قومي، وعندما يمضي الزمن، العمر ولا يتم تحقيق أي إنجاز لهذا الشعب، يشعر المناضل بالتعب، لكنه لا يستسلم، ويبقى الأمل/الأهداف حاضرة فيه، في قصيدة "ريشة" يحدثنا الشاعر عن هذا الأمل والأهداف بقوله:
    "أيها الشعب
    يا صديقي القديم، كبرت
    ومالت بي الطرقات
    وأدركني التعب
    أيها الطائر الذهب
    ريشة من ....جناحك تكفي!" ص45.
        نلاحظ أن الشاعر يخاطب المجموع بصيغة المفرد "أيها الشعب، يا صديقي" وهذا يشير إلى رؤية/علاقة الشاعر بالشعب، فهو صديق الشعب، لهذا حدثهم عما فيه من ألم/تعب/اضطراب، فهو يشكي حاله لصديقه/الشعب، وهو بهذا يؤكد العلاقة المتينة بينهما.
    ونلاحظ أن الهموم متعلقة بما هو أرضي/الطرقات، لكن الآمال متعلقة بما هو سماوي: "طائر، ريشه، جناحك" وهو بهذا يشير إلى سمو المبدأ/الهدف الذي يحمله ويدعو الشعب/صديقه لحمله.
        وبهذا يكون الشعب/صديقي هو الغاية، هدف الشاعر ووسيلته للوصل للهدف وتحقيقه.
    الأوفياء النبلاء
        قلة هم الثابتون على العهد، على المبدأ، يخبرنا الشاعر عن هؤلاء الثابتين في قصيدة "وصية" التي أهداها إلى مراد السوداني:
    "هكذا باختصار
    هل سيترك لي الموت في ساعة الاحتضار
    فسحة لأقول لكم:
    أطلقوا خلف نعشي الصعاليك، لا غيرهم،
    أنبيائي الصغار
    من على حلمهم ركضوا خلف نجم المناشير...
    واصطدموا بالجدار!" ص13.
    نلاحظ أن الشاعر يستخدم أفعال حركة سريعة: "أطلقوا، ركضوا، واصطدموا" في الفعل الأول "أطلقوا" نجد الأمر الذي أصدره الشاعر، ثم تلبية طلبه وبسرعة من هنا وجدنا "ركضوا، اصطدموا" فرغم أن النهاية (صادمة) لهم وللمتلقي، إلا أن الشاعر يرفع مكانة هؤلاء من خلال: "أنبيائي الصغار" من هنا، ليس مهما النتيجة/النهاية بل المهم الثبات والبقاء على الدرب/ حتى لو أدى إلى اللاشيء.
    والجميل في القصيدة أن الشاعر يقودنا إلى الماضي، إلى أيام المناشير السرية التي كانت تطبع وتوزع بسرية تامة، حيث كان الرفاق أنبياء ذلك العصر، يتحملون الأذى من السلطان ومن العامة التي تنجر وراء ما يبثه الحاكم من أكاذيب وشائعات متعلقة بهؤلاء الأنبياء، وهذا ما يجعل القصيدة ممتدة زمانيا، ومتصلا بالحاضر الآن "ساعة الاحتضار"
    في قصيدة "اعتذار" يعترف الشاعر بهذا الاعتراف:
    "قبل أن أنتحي جانبا
    قبل أن أترجل
    سأقول الكلام المؤجل
    أجمل الأصدقاء همو
    من أحاول تسكينهم
    في نشيدي..... وأفشل!" ص162.
    بداية نشير إلى أن الأفعال في المقطع أفعال بطيئة ومحدودة "أنتحي، أترجل" وهي متعلقة بالشاعر، وتعكس حالته ووصوله إلى (النهاية)، وهي أفعال شخصية قام بها على أكمل وجه، لكنه في الأفعال الأخرى المتعلقة بالآخرين "تسكينهم" فشل فيها ولم تتم.
    رغم أن (الفشل) سلبي، إلا انه جاء يحمل معنى إيجابي، وجاء في نهاية المقطع، وهذا ما أزال/خفف من قسوة من الفشل، وجعله مقبولا من المتلقي.
    ونلاحظ أن الشاعر يتحدث عن كونه شاعرا من خلال "نشيدي"، ويتحدث عن استمرار فعل/حركة أصدقائه: "أحاول تسكينهم" فجاء فشله في "تسكينهم" كنجاح لهم كأصدقاء، ونجاح له كشاعر ختم المقطع بهذا الشكل المدهش.
    المنهزمون
    يتناول الشاعر الذي سقطوا من حوله، وتركوه وحيدا يتألم، يتألم على حاله كوحيد، وأيضا على من أعطاهم وكانوا معه، فخذلوه، وأمسوا عليه وليس معه، في قصيدة "تنظيف" يخبرنا عن هؤلاء:
    "الآن أحاكم دفتر أيامي المرتجلة
    لأنظف ذاكرتي سطرا ... سطرا
    مفردة... مفردة
    حرفا ... حرفا
    فاصلة ... فاصلة
    من أسماء الإقليميين السفلة" ص16.
    نلاحظ أن التنظيف بدأ بما هو (كبير) "سطر، ثم بالمتوسط "مفردة، وانتهى بالصغير بالحرف والفاصلة، وهذا يشير إلى دقة عملية التنظيف/التنقية، والجميل في هذه العملية أن الأوساخ "الإقليميين السفلة" ظهرت في النهاية، وكأن الشاعر لا يريد (تلويث) أذن المتلقي بهم فجعلهم في أخر القصيدة ليبقوا دائما في الخلف، في النهايات القذرة.
    الواقع
    من المثبطات التي تؤذي الشاعر كثرة الفساد والمفسدين وانتشارهم، في قصيدة "احتلال" يتحدث عن هؤلاء بقوله:
    "وكيف ينجو من وساخة المدى
    بجلده "العفيف"
    مفازة من الخريف
    فيها الخسيس كالشريف
    ما ظل شبر في دروبنا نظيف......
    حتى الكلاب احتلت الرصيف!" ص145.
    اللافت في هذه القصيدة الاختزال والتكثيف، فنجد الزمن السيء في "المدى، الخريف" ونجد المكان البائس في "دروبنا، الرصيف" ونجد تفشي المفسدين والفاسدين في: "الخسيس، الكلاب" وهذا ما يجعل ثبات وبقاء الشاعر على مبادئه صعب ومرهق، فهو كالقابض على دينه، قابض على الجمر.
    الانسحاب والتراجع
    هناك من يترك الحزب/التنظيم لأسباب خاصة به، مثل التعب، اليأس، قسوة الحياة وظروفها القاسية والصعبة، فهو لم يسقط في غرف التحقيق، ولم يبع ذاته للأجهزة الأمنية، لكنه انسحب وترك الحزب ورفاقه وحيدين، في قصيدة "عزف منفرد" يحدثنا عن المنسحبين:
    "في البعيد البعيد هناك،
    أو في الجوار الجوار
    أصدقائي
    أو "أعدقائي" الصغار
    حينما تسقط أسماؤكم واحد واحدا
    حين يأكلها في الطريق الغبار
    من ترى سوف يخبركم
    أنني ظلت وحدي الذي احتل
    كل مقاعدكم... في القطارَ" ص28.
    نلاحظ وجود الزمن الماضي والحاضر "البعيد، الجوار" والمكان أيضا، ونجد علاقة الشاعر بأصدقاء الذين بدلوا/تخلوا (ورحلوا) عن الحزب/المبادئ، فأمسوا يشكلون حالة عدم (يقين) عند الشاعر "أعدقائي"
    وبما أن الشاعر يتناول حالة سلبية، تراجع الرفاق وانسحابهم، وهذا ما استدعى وجود شيء/وسيلة تخفف على المتلقي شيئا من تلك القسوة، فكانت الصورة في "حين يأكلها في الطرق الغبار" وسيلة التخفيف.
    واللافت في هذه القصيدة أن الشاعر يشير إلى وحدة المبدأ/الحزب من خلال: "الطريق، القطار" وإلى أن عملية الانسحاب/التراجع متتابعة ومتصلة، لكنها لم تتم مرة واحدة من هنا استخدم: "واحدا واحدا" وهذا يقودنا إلى الموقف الصلب والثابت للشاعر، فرغم انه يرى يوميا تراجع وانسحاب رفاقه من الحزب، إلا أنه ثابت/باق، ومستمر في القيام بأعمال من رحلوا وانسحبوا.
    الاستمرار والثبات
    بعد أن تم التنظيف/التخلص من القاذورات، لا بد من مواصلة الطرق، فلم يعد هناك من يثبط العزائم ويهدم الهمم، في قصيدة "عزف منفرد" يخاطب الشاعر رفيقه/حبيبه ويدعوه لمواصلة الطريق:
    "هل خانك الخطو أم ضلت
    بك النجمات
    خذ من يدي يا حبيبي
    آخر الرايات
    يا عازف الليل لا ترج مودتهم
    تبدلت فيهم الأسفار والغايات
    (والصاحب اللي توده قدر أنه مات
    جدد بدلته ولا تندم على اللي فات)" ص22.
    اللافت في هذه القصيدة تركيز الشاعر على المفرد، فالمخاطب فرد: "خذ من يدي، يا حبيبي، يا عازف الليل" كما أن المتحدث عنه المنهزم فرد "والصاحب" بينما نجد المبدأ/الحزب/الانتماء جاء بصيغة الجمع: "الخطو، النجمات، الرايات" وهذا يقودنا إلى نظرة الشاعر للحزب/للانتماء/للفكر الذي يبقى كبيرا وعظيما، وما دور الفرد المنتمي إلا السعي والعمل للوصول إلى أهداف وغايات النبيلة.
    وبما أن الشاعر ختم القصيدة بمثل شعبي جاء بلغة محكية، فهذا مؤشر على أنه يخاطب "عازف الليل/حبيبه" دون تكليف، فاللغة المستخدمة لغة الأصحاب والأحبة.
    ويحدثنا عما يحمله من هموم/أمال في قصيدة العملية:
    "رحل العالم
    والأمواس الطبية
    توغل في العرس الدموي
    أربع ساعات ينعقد العرس الدموي
    لا أحد هناك
    إلاك
    وفلسطين على ..... الشباك" ص165.
    رغم الفاتحة القاسية والدامة التي جاءت في المعنى وألفاظ: "الأمواس، الدموي (مكرر)، توغل" إلا أن الخاتمة بيضاء كبياض الشمس الآتي من الشباك، وكالبياض الذي تحمله فلسطين، إن كان من خلال الاسم، أم من خلال طبيتها ومكانتها.
    وإذا ما توقفنا عند القصيدة ككل سنجد ثبات الشاعر على الشباك الذي يرى منه فلسطين، فهي شمسه التي يرى بها، وشمسه التي تمد جسده بالقوة والطاقة، وما تجاوزه الأمواس التي عملت في جسده أربع ساعات، إلا تأكيدا على الطاقة والقوة التي حصل عليها من فلسطين، وها هو يكتب لنا عنها، مؤكد ثباته وبقاءه على نهجها وطريقها.
    التمرد
    رغم مسار الديوان المتمثل في الثبات وعدم الانسحاب أو السقوط، إلا أن الشاعر يتمرد، يغضب، وحتى يكفر، فهو أولا وأخيرا إنسان، وإنسان يحمل مشاعر مرهفة، ألس الشعراء أكثرنا تأثرا وتفاعلا وإحساسا بما يدور حولنا؟!، نجد غضب/كفر الشاعر في "رحيل":
    قمر عاهر وحلم سراب
    ودروب دليلها الكذاب
    أي عيش هذا الذي تبتغيه
    في بلاد لا تشتهيها الكلاب؟!" ص170.
    نلاحظ حنق الشاعر على كل شيء: "قمر، حلم، دروب، بلاد" وهو لم يعرفها وجعلها (منكرة) كتأكيد على (كفره/اشمئزازه) منها، وما (صغر) المقطع، حجم التكثيف الهائل فيه، إلا إشارة إلى ما يعانيه الشاعر من ألم وقهر، وتأكيدا لحالته المزرية، فلم يعد يرى أي بصص أمل، حتى جمال القمر السماوي أمسى عاهر، والأرضي/بلاد لا تصلح حتى لعيش الكلاب.
    وإذا ما أخذنا الطريق ما بين السماء/القمر وبين الأرض/بلاد، سنجدها أيضا موحلة، يجلجلها السواد والقتامة والتيه: "سراب، كذاب" وبهذا تكتمل حقة الظلام، فلم تبق للشاعر أي ضوء، فكان الكفر هو الحل!.
    الأدب والسياسة والدين في قصيدة
    "مناجاة"
    الجميل في الأدب طريقة تناوله للسياسة، فأحينا يتناولها بطريقة ساخرة، تهكم، رمز، إيحاء، والجميل أن اللغة المستخدمة ناعمة وجارحة في الوقت ذاته، في قصيدة "مناجاة" يجد المتلقي الواقع السياسي العربي البائس بشكل أدبي وبلغة سلسة، وبمضمون ثوري/تحريضي:
    "مناجاة
    ___
    يا خالقي، أسألك الغفران،
    هبني من لدنك المرحمة
    فكل أبناء الزناة هيؤوا لي المرجمة
    ذنبي الوحيد أني خارج التطبيع
    لا أشتري، ولا أبيع
    ها أنذا في كل شارع أضيع
    ولا أحد
    في اللحظة اللعينة الصمد
    يذب عني المظلمة
    يا خالقي،
    من المحيط للخليج راية مستسلمة
    يا خالقي، من أين أبتدي
    وكل هذي الأنظمة
    يقودها....................مسيلمة ؟" ص190.
    عنون القصيدة " مناجاة" يبدو أنه يتجه نحو الطابع الديني، وهذا يجذب المتلقي العادي الذي يميل إلى ما هو ديني، كما أن فاتحة القصيدة "يا خلقي" تؤكد هذا الطابع، لكن، ما أن يندمج المتلقي فيما يقدمه حتى يصدمه الشاعر بألفاظ قاسية: "أبناء الزناة"، وهذا يناقض صورة التقي/المؤمن التي جاءت في فاتحة القصيدة، وهنا أيضا نتوقف عن هذا (الخروج) عن المألوف، ونتساءل عن سبب هذا الاستخدام؟!
    من يطلع على الدين وعلى القرآن الكريم يجد مبررا للشاعر هذا الاستخدام فهناك آية في سورة النساء تبرر قول السوء "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما (148)" فحالة الظلم الواقع على الشاعر نجدها من خلال صيغة الجمع/الكثرة التي تكالبت عليه: "أبناء الزناة، هيؤوا لي، الأنظمة" بينما هو فرد واحد: "أسألك، لي، ذنبي، الوحيد، أني، لا اشتري، لا أبيع، ها أنذا، أضيع، الصمد، عني، أبتدي" وهذا يجعل المواجهة غير عادلة، شخص منفرد يواجه مجموع/جماعية، ونجد المظلومية ليست مقتصرة على عدد المتكالبين على الشاعر فحسب، بل أيضا في الذنب الذي يُعاقب عليه: "أني خارج التطبيع/لا أشتري ولا أبيع" فنجد حيادية الشاعر في الحياة من خلال استخدامه "أني" فهو لا يقحم نفسه في مشاكل الحياة، وهو أقرب إلى المحايد، فلم يستخدم "لأنني" كتأكيد وكإظهار للذات/للأنا، وهذا يجعل القارئ ينحاز للشاعر المظلوم، فهو فرد يواجه مجموعة، كما أنه مسالم/محايد، وهذا يظهر من خلال اللفظ الذي يستخدمه "أني".
    ولكي يكسب الشاعر المزيد من الأنصار/المؤيدين له، نجده يوسع المكان/الجغرافيا التي تظلمه: "من المحيط للخليج" والجميل في هذه (التوسعة الجغرافية) أنها تلم/تجمع المزيد من الأنصار/المؤيدين، وفي الوقت ذاته تضعف الظلام/الأنظمة، وبما أنه افتتح القصيدة باللغة/بالثقافة التي يتقبلها الناس "يا خلقي" فقد ختمها أيضا بعين اللغة/الثقافة: "يا خلقي" وكأنه يسحب البساط الديني من يد الأنظمة ويجعله ضدها/عليها، فالشاعر يحارب الأنظمة بعين الوسيلة التي حاربته بها: "الدين"، وبما أنه كرر "يا خالقي" ثلاثة مرات، في الفاتحة وفي الوسط وفي الخاتمة، وهذا الرقم له دلالة دينية عند المتلقي، فهو يؤكد أنه واحد من العامة، وهو واحد من الناس، يتماثل معهم بلغتهم وثقافتهم الدينية، وواجباهم أن يقفوا معه، ضد من قاموا بظلمه.
    وبهذا يكون الشاعر قد حقق مراده، وأزال الظلم عن نفسه وعن أمته/شعبه، وانجز الثورة الشعبية، بحيث جعل الجغرافيا تمتد من المحيط إلى الخليج، بحيث لا يبق أي ظالم من الظلم.
    الديوان من منشورات الاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى2024.


     

    إرسال تعليق

    التعليقات



    جميع الحقوق محفوظة

    العهدة الثقافية

    2016