عز الدين
** إلى عز الدين المناصرة في قيلولته
الأخيرة
من توقظه في ليلة "حِنا العرسان"
ليطوف علينا وهو يدندن: "يا دَمَه"
أو يكبر في بيت تشتعل على حيطان أوابده نار الأحزان؟
من يوقظه، ويُسبِّل عينيه ليبكي في اليوم "خَمَسْ مرات"
أو يتوضأ قبل أذان الفجر مع الشجرات
هل شاهدتُ أصابعه تغرس وردتها فوق ثياب الفلاحات؟
**
أطعمتَ عصافير البيت أغانٍ في مرج بني عامر
وجبال الزعتر والنَدهات
ورفعتَ الراية في بيروت على أخمص رشاشك
ونزفت كما لم تنزف من قبل في حب فلسطين
يا عز الدين.
**
من توقظ أشجار التين
وتَنْدَه قبل صلاة العصر على الأولاد: تعالوا، جاء الحَدّاء
سنُرتل قبل الغفوة وِردا صوفيا في حب الأشجارِ وينابيع الماء
ونناديه ليملّح هذي الحضرة
بتلاوة قَبسٍ كنعاني في دار عناة وبيت الطين.
..
من توقظه من..
ليدندن قدام المرآة مع الجِن؟
**
سأعيد إلى قلبي وردته الحمراء
وأسير وحيدا
خطواتي تسبقني
وعلى بوابة ناري
أوقفت الأشجار، ضحكت لها
ناديت على الجميزة: "يا دَمه"
يا صوت الزنبق في حوش الدار
هذا وجهي، قافيةُ أغانيّ، حُدائي..
هذا ولهي بتراويد الحَجات على عتبات هوائي
هذا نزفي البنيُّ
وصليات رصاصي في الوديان على أعدائي
هذي هدهودة أمي تطلقها مع أول خيط يسرقه الظل:
يا ولدي لا تترك نبضك في وحشته
أخرج مع غزلان التل
غنوا، والتحموا بالليل
فالريح الحمراء ستبصق في وجه المحتل.
..
وستوقظه جفرا حين تلوِّح بالمنديل على جبل الكرمل؟
يا فجر حبيبي طَوِّل
اشتقت إليك وظَل الظِلُ يُغطيني
من سبطانة رشاشك حتى قلب المدفع في الليل.
..
سيغني الحادي عن جفرا حين ارتجفت
وسيرسم وردته الصفراء على "غُذفتها"
وهي تنادي: سرقوا سيف الملك الضِليِّل
على أطراف القسطنطينية
تركوه ينوء بِسُمِّ اللهفة كي يترك خمرته
في قصر أبيه المقتول، وباعوا
كيف ستمرق كالسهم وحيدا في عز القهر
وتترك درعك في المقثاة
وسيفك عند عدوك، كيف
وأي فتى في لجلجة الخوف أضاعوا؟
**
في الليل الأليل، يصدح موال في أفق الطيف
يشلع بذرته من "غُذفة" جفرا
يزرعها في حوش الدار الأخضر
ويسير وحيدا في أطراف الصيف
ستقوم الآن على البيدر
وتهب الريح فراشات وحقول من ذهب أصفر
وتنادي: صارت هذي الساعة قمح بلادي.
**
"قال الحادي، أول ما قال الحادي"
سال الزيت على أرض الوادي
نزفت أقواس المرج المخضوضر
نزف العناب ولوز الحاكورة بِدمٍ سُكر
بعيون غزال في البرية يتبختر
بشهيق شهيد أطلق صليته في ليلته الصهباء على العسكر
بيدين تَحنّى الضوء بملحهما
بالماء وناي الرعيان المُزهر.
**
يا صوتا يطلع من بين رجوم النسيان
يحملك الليل على ضفته
وتسافر كقميص مسروق في جمرته
وتنادي مثل جريح "يا ليل ويا عين"
أنا ولد قروي شَتّل أزهار الحقل
وروّى الزيتونات
وصلى في الوديان وكبّر.
**
من توقظه الليلة
تسرق من كفيه الحناء
وتُشعلقه بعصافير الدار
من تُطعمه من قمح السهل
وتُطوِّق جبهته بقناديل التيه
وتحمل فوق الأكتاف أغانيه
لتدل عليه الحراثين وحصادي القرية والثوار؟
**
ـ اسمك: عزالدين
ـ بيتك: دار فوق هضاب اللجون
ـ عنوانك: يرغول يشدو فوق روابي القدس
ـ ماذا تحمل في قلبك؟
ـ موقد أحلام يشتعل صباحا في الرأس
ومساء يوقدني تحت الزيتون
ـ في صدرك؟
بيت لعناة الكنعانية والشهداء
ـ في رأسك: كل الأعباء وبُطينين
الأيمن يحمل نبض الأيسر
لا تنسى أيضا، أحمل وطنا
يمشي في الطرقات معي
يمسح رأسي بالزيت
ويغني لي عن زيتونات أبي
ودوالي أمي واليخضور
..
اسمك عز الدين
خرجتَ من البغتة
لترى قلبك يحلم بعد القيلولة بعناق النور
أشجارك غافية ويداك على رسلهما
تقطف زهرة أشواق وترش على الجرح بذارا
وتعلق قنديلا يشهق بالآهات على أبواب الدور.
إرسال تعليق