-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية
  • recent .
  • جاري التحميل ...
  • recent .
  • تمازج البياض والسواد في قصيدة - سأنسى بأني سأنسى - الناقد رائد محمد الحواري

     

     تمازج البياض والسواد في قصيدة

    "سأنسى بأني سأنسى"

    العلمي الدريوش

     

    "لِأَنْسَى بِأَنِّي سَأُنْسَى

    أُشَاكٍسُ ظِلِّي

    لِأَنْسَى بِأَنِّي سَأُنْسَى.

    أَرَاهُ يَسِيرُ بِجَنْبِي،

    يَنِطُّ أَمَامِي وَخَلْفِي

    وَيَهْرُبُ خِلْسَة.

    فَيَا نَفْسُ لَا تَكُونِي كَظِلٍّ،

    هُرُوبُكِ غَدْرٌ

    أَمَرُّ مِنْ غَدْرِ ظِلٍّ وَأَقْسَى .

    أَبَعْدَ هَمْسٍ وَأُنْسٍ

    سَنُسْقَى الْفِرَاقَ يَوْماً

    لِأَبْقَى

    كَلَيْلٍ يَحِنُّ لِشَمْسٍ؟!

    وَهَلْ يَعُودٌ الْخَلِيلُ لِخِلِّ

    إِذَا انْزَوَى وَحِيداً

    وَلَا أَهْلَ فِي ظُلُمَاتِ رَمْسٍ؟

    أُعَانِقُ حَرْفِي

    لِأَنْسَى بِأَنِّي سَأُنْسَى.

    أَهِيمُ بِوَادِي الْخَيَالِ،

    وَقَدْ صَارَ حَرْفِي جَنَاحاً

    بِأَلْوَانِ حَفْلٍ،

    أُرَفْرِفُ خَارِجِي فِي السَّمَاءِ هَمْسَة

    كَأَنِّي فَرَاشَةٌ عُمْرُهَا عُمْرُ دَهْشَة.

    أُعَانِقُ حَرْفِي وَأَنْسَى

    بِأَنِّي أُدَارِي جِرَاحاً

    تُطِلُّ عَلَيَّ فِي غُرْبةِ الصَّمْتِ وَحْشاً

    بِقَلْبِ صَخْرٍ وَعَيْنِ نَكْسَة"

     

    عنوان أي عمل أدبي مهم للمتلقي، حيث يمثل اليافطة التي منها يمكن التعرف على فحوى النص ومع فيه، فعنوان القصيدة "لأنسى بأني سأنسى" يحمل فكرة التسليم/كرها بما هو كائن، وفكرة القبول/برحابة بما هو حاصل.

    فثنائية المعنى نجدها في فكرة القصيدة، ونبدأ من المعاندة/الصراع الذي نجده في: "أشاكس، ينط، يهرب/هروبك، أمر، أقسى، الفراق" بينما القبول نجده في: "أعناق، أداري" ونلاحظ أن قسم الرفض جاء في القسم الأول من القصيدة، بينما القبول جاء في النص الثاني منها، والفاصل بين القسمين:

    "لأنسى بأني سأنسى"

    في القسم الأول نجد الألفاظ القاسية حاضرة وبقوة: "أشاكس، لأنسى، ينط، يهرب/ خلسة، لا، يهرب/هروبك، غدر (مكرر)، أقسى، الفراق، ظلمات" بينما في القسم الثاني نجد البياض يهمن ويضفي لمسته الناعمة على المعنى: "أرفرف، السماء، فراشة، أعتنق" وما وجود ألفاظ بيضاء في القسم الأول: "سنسقى، الشمس، الخل/لخل، أعناق، حرفي" ووجود ألفاظ قاسية/شديدة في القسم الثاني: "جرحا، غربة، وحشا، صخر، نكسة" إلا من باب التداخل/التمازج بين الشدة وبين الفرح، وما وجود أعناق في القسم الأول والقسم الثاني:

    "أعناق حرفي"

    وفي الموقع ذاته ـ قبل نهاية القسم بقليل ـ إلا من باب نظرة الشاعر (العادية) للبياض وللسواد، فهما يتماثلا مع حالة الطبيعة التي تجعلنا نتعامل مع الخرف كما نتعامل مع الربيع.

    هذا على مستوى المعنى، أما على مستوى الألفاظ فنجد تماثل الألفاظ "لأنسى/سأنسى" وهذا يقودنا إلى حالة التماهي/الحلول بين الشاعر وفكرة القصيدة، مما يجعلها قصيد صوفية، حيث يمكننا لمس صوفيتها من خلال "بأني" المتعلقة بالذات/بالأنا.

    وإذا ما توقفنا طريقة لفظ حرف السين، سنجدها تحمل معنى السكوت/"إسّ" ومعنى بدء الكلام، خاصة بعد أن السؤال/"سين" وهذه الثنائية تستوقف المتلقي ليتعرف/ليتأمل ما جاء في القصيدة، وما أراد الشاعر "العلمي الدريوش" تقديمه في قصيدة "سأنسى بأني سأنسى"

    بعد الدخول إلى القصيدة، نلاحظ فعالية العنوان "لأنسى بأني سأنسى" وأثره يمتد إلى بقية الألفاظ، حتى أنها بدت (أسيرة لهيمنة) العنوان، فهناك أكثر من لفظ جاء فيه حرف السين مكون أساسي: "أشاكس، لأنسى/سأنسى، (مكرر)، يسير، خلسة، نفس، وأقسى، همس، وأنسى، سنسقى، لشمس، رمس، السماء، نكسة" إذن الإثارة حاضرة/فاعلة في ألفاظ القصيدة من خلال حرف السين، وما في طريقة لفظه من معنى التواصل/التتابع.

    لم يقتصر الأمر على الألفاظ التي تتشكل من حرف السين فحسب، بل امتد إلى ألفاظ أخرى، أما من خلال تكرار اللفظ: "غدر، حرفي، كظل/ظل، الخليل/لخل، عمرها/عمر" أم من خلال تكوين الحروف: "حرفي، جناحا، حفل، جراحا، وحشا" فكل هذا الألفاظ جاء فيها حرف الحاء مكون أساسي، ونجد التقارب في لفظ الهاء والتاء في: "همسة/دهشة" مما يجعل بنية الألفاظ تخدم فكرة التماهي/الحلول في القصيدة.

    القصيدة منشورة على صفحة الشاعر

     

     

    إرسال تعليق

    التعليقات



    جميع الحقوق محفوظة

    العهدة الثقافية

    2016