على الرّغم من الدراسات العديدة التي بحثت في الإرث العربي
الإسلامي في الأندلس، على يد مؤرّخين وباحثين وكتّاب عرب ومستعربين ومستشرقين
إسبان وغيرهم من مختلف الدول، إلّا أن الكنز الأندلسي لم ينفتح كاملاً بعد. ويرى
باحثون أن عدد المخطوطات في تلك المرحلة يزيد على أربعة ملايين مخطوطة، لم تُكتشف
كلها، كما لم تتم فهرسة جزء كبير مما هو موجود منها، فضلًا عن أن بعثات التنقيب أو
المصادفات تواصل الكشف عن مفاجآت بين فترة وأخرى، ومن بينها العثور على مخطوطات
كانت مخبّأة في جدران البيوت، منها نصوص عربية كُتبت بالحرف القشتالي، تفاديًا
لمحاكم التفتيش، إذ أن جزءًا من الأندلسيين الذي أُجبروا على التنصّر عنوةً، ظلّوا
متمسّكين بالإسلام واللغة العربية سرًّا، لتجنّب الوقوع تحت التعذيب.
في حقل الدراسات الأندلسية، يظهر اسم الدكتورة آدا روميرو سانشيز
التي اختارت لها اسم (أديبة)، بعدما اكتشفت أنها أندلسية من أصول عربية شامية
مسلمة، وبعد الصدور المتأخر لقانون إسباني لحرية الأديان، أسلمت عائلتها، أو
بالأحرى "عادت" مجددًا إلى دينها الأصلي. عاشت في مكّة التي دخلتها وهي
في الخامسة من عمرها، مع عائلتها، لتعود إلى إسبانيا بعد عشر سنوات من الإقامة في
السعودية، لتكمل دراستها. وفي الجامعة واصلت ما يتوافق مع شغفها بجذورها وتاريخ
أجدادها الممتد على مدى ثمانية قرون، فهي الآن أستاذة في التاريخ الأندلسي، ورئيسة
قسم البحوث والمخطوطات في كلية الدراسات الأندلسية في جامعة غرناطة، وهي أيضًا عضو
في جمعية المكنز الإسلامي. لها دور فاعل ومهم في علم المخطوطات، بين البحث
والدراسة والتحقيق والحفظ، فضلًا عن المحاضرات والندوات والمؤتمرات التي تشارك
فيها، مؤكدة في كل ذلك على جوهر الإرث المشترك والقواسم المشتركة بين الثقافتين
الإسبانية خصوصًا والغربية عمومًا، والثقافة العربية الإسلامية. لقد تنقّلت بين
مدن عدة في العالم من أجل الكنوز المخطوطة، يقودها شغفها بالجذور والبحث والعلم
وتعزيز التفاهم بين الثقافات وإنصاف دور العرب الحضاري في مسيرة الإنسانية. وكانت
كشفت عن وجود موريسكيين في أميركا اللاتينية يسبق وصول كريستوفر كولومبس، بعدما تم
العثور على أسماء وأساليب فلاحية ومقابر إسلامية هناك. وأوضحت أن صفة
"الموريسكي" أطلقتها محاكم التفتيش على المسلم الذي أُجبر على التنصّر،
بعد سقوط الأندلس. ونشرت الدكتورة أديبة روميرو أول دراسة عن مخطوطات علي بن زياد
القوطي الأندلسي في تمبكتو، بعدما هرب من طليطلة إثر الإبادة العرقية الجماعية،
وأخذ معه مكتبته. وكانت مجلة "الناشر الأسبوعي" نشرت قصة رحلة عودة تلك
المخطوطات من تمبكتو إلى موطنها الأول في طليطلة، عبر لقاء مع الحفيد الشاعر
والباحث إسماعيل حيدرة، الوصيّ على إرث أجداده، وكنتُ التقيتُه في شهر يوليو/ تموز
الماضي خلال مهرجانين للشعر في كولومبيا وفنزويلا، وحدّثني عن كنز أجداده العائد
إلى طليطلة، ومن بينه مخطوطة قرآنية نادرة.
كما أشارت "المستعربة" أديبة روميرو التي ترجع أصولها
إلى عائلة بني القاسم الشاميّة، عن وجود فجوة تاريخية تصل إلى 100 عام، بين القرن
الثامن وبداية التاسع الميلادي، بسبب تغييب الوثائق والمخطوطات، وعدم اكتشاف مصادر
عن تلك الفترة، حتى الآن.
لذلك كله، لم يَبُح الكنز الأندلسي بكل أسراره ومكنوناته بعد، لكنه
يُواصل سحرَه ودرسَه وعظمتَه التي لا تنضب.
إرسال تعليق