الاجتماعية الفلسطينية في رواية
"أمضي أم أعود"
فوزي نجاجرة
إحدى سمات نجاح العمل الأدبي تتمثل في سهولة
تناوله من القارئ، فهذا مؤشر على أن السارد استطاع جذب القارئ إلى المادة التي
يقدمها، هذا على مستوى التقديم، أما بخصوص الفكرة فتتحدث عن "خديجة"
الأم التي تفقد زوجها "خالد" بعد أن يطلق عليه الاحتلال الرصاص، مما
جعلها وحدة مع ابنها "وسيم" الذي تربيه وتعطيه كل ما يريد، إلى أن يشب
ويبدأ في العمل، وفجأة يعامل أمه بقسوة بالغة بسبب تافه ـ ارتداء ثوب بلون أحمر أو
أصفر ـ حتى أنه يحاول قتلها من خلال إلقائها في بئر الماء، وهنا تقرر أن تترك له
البيت والمدينة وتنتقل إلى مدينة أخرى التي تصلها بعد رحلة مضنية بالتعب الجسدي
والنفسي.
هناك تبدأ حياتها من جديد بعد أن تغير اسمها
من خديجة إلى "زبيدة أم الوفا" حيث تبدأ في العمل كبائعة للخضار مع
"أم بشير" التي تقيم معها ومع أسرتها علاقة حميمة، ثم تتحول إلى بيع
القهوة والمشروبات الخفيفة بعد أن تقرر البلدية ترميم سوق الخضار، تنجح في عملها
وفي علاقتها الاجتماعية إلى تُصاب بمرض "الوسواس القهري" فتمر بحالة في
غاية السوء، يتم معالجتها والاعتناء بها من خلال عائلة "أم بشير"
وتحديدا من الدكتورة "بسمة" ومن خلال "أقبال" طالبة الجامعة،
وهنا يقترح الدكتور عليها أن تقوم بالكتابة، فهي أهم وسيلة للخروج من مرضها
واستعادة عافيتها، تبدأ بالكتابة، فيتشكل عندها رواية تتناول موضوع الصراع النفسي
مما يدهش الدكتورة "بسمة" التي اعتبرتها من أبرز الأعمال الأدبية، تقترح
عليها المشاركة في مسابقة مدعومة من بنك "الأسرة السعيدة" فتحصل على
الجائزة الأولى، وأثناء الاحتفاء بالفائزين يلاقيها ابنها "وسيم" مدير
البنك ويتعرف عليها بعد غياب عشرين سنة، وتجد أن "إقبال" هي بنت
"وسيم" وبهذا الموقف تنتهي الرواية.
نلاحظ أن السارد يغيب "وسيم" تماما
عن الأحداث ولا يذكره لا من قريب أو بعيد، بينما يركز بصورة كاملة على
"خديجة" وما تقوم به، وكأنه من خلال هذا التغيب يريد معاقبته على ما
فعله بأمه "خديجة" التي أعطته كل ما تملك وتقدر عليه، وما ظهوره في
نهاية الرواية إلا من باب الرأفة ب"خديجة وإقبال" فرغم أنهما أقامتا
علاقة حميمية بينهما، إلا أنهما لم يتعرفا بأنهما يمثلان جدة وحفيدتها، إلا بعد أن
عرف "وسيم" أمه بنفسه أثناء الاحتفال.
فلسطينية الرواية
رغم أن مكان الأحداث غير محدد، إلا أن السارد
أشار إلى فلسطين عامة ولم يحدد المدينة/المكان الذي جرت فيه الأحداث، وذلك من خلال
استشهاد "خالد" زوج "خديجة" على يد جندي محتل، ومن خلال
الحديث عن "أبي بشير" الذي اعتقل في سجون المعتقل لمدة واحد وثلاثين سنة
حيث تم الإفراج عنه في صفقة "وعد الأحرار/شاليط" فهناك بعد وطني في
الرواية يشير إلى فلسطينية الرواية رغم أنها تتناول موضوع اجتماعي.
كما أن ذكر مدينة حيفا" من خلال القصة
التي كتبتها "خديجة" أكد فلسطينية الرواية.
ونجد الصورة السلبية للاحتلال من خلال قتل
"خالد" ومن خلال أسر "أبا بشير لمة واحد وثلاثين" سنة، ومن
خلال صورة اليهودي: مجموعة شباب مثليين يهود يمارسون الشذوذ بكل حرية" ص122،
ومن خلال: " أنظري يا شاهدة إلى تلك المرأة الشابة العارية اليهودية، فإنها
تقف على رأسها وترفع ساقيها ضارعة نحو السماء" ص123، وهذا ما يجعلنا نقول إن
الفلسطيني لا يمكنه أن يتجاهل وقعه كشعب مُحتل من قبل الصهاينة، مهما حاول أن
يبتعد عن هذا الواقع.
واللافت في الرواية أنها تتحدث عن الكتابة
وأهميتها في علاج "خديجة": "أكتبي كل ما واجهتيه في حياتك من أفراح
وأتراح، أكتب ما وجدتيه في حياتك من المرض وأعراضه في الفترة الأخيرة، كذلك رحلة
علاجك" ص142، وبما أن الكتابة حررت "خديجة " من مريضها وجعلتها
تستعيد ابنها "وسيم" وتتعرف أن "إقبال" حفيدتها، بمعنى أنها
أوجدت السعادة فيها كما أوجدتها في المتلقي، فهذا يدعم ويؤكد أهمية
الكتابة/القراءة ودورها في تخليصنا من قسوة الواقع وشدته.
رغم بساطة الرواية والمتعة التي تحدثها في
القارئ، إلا أن هناك بعض العفوات نجدها فيها استخدام الاحتلال لرشاش الخمسمائة
حينما قتل "خالد" وهذا السلاح لا يستخدم عندما يكن هناك جنود من نفس
الجهة التي ستطلق النار، لأنه غير دقيقة الإصابة كحال السلاح الفردي (ميم ستة
عشر)، وهناك هفوة متعلقة ب"وسيم" حينما وصفة السارد: "دخل الصف
الثالث الابتدائي هو يرضع من صدر أمه" ص44، أعتقد أن هذا الوصف كان يمكن
استبداله بفكرة أخرى متعلقة بالعطاء الكبير الذي أعطته "خديجة"
ل"وسيم".
وهناك خطأ فني حينما استخدم السارد اسم
"سماح" بدل خديجة: " لم تنتبه سماح لهذا الرجل" ص61، والصواب
كان "لم تنتبه "خديجة" وهناك مبالغة نجدها في زمن ترميم السوق الذي
تعمل به "خديجو زأم بشير": "علمت أم بشير أن أعمال الترميم لن
تنتهي قبل سنتين" ص93، كما أن اسم البنك "الأسرة السعيدة" لا
يتناسب وأساء البنوك، أعقد أن هذه هفوات بحاجة إلى معالجة أدبية لتكون الرواية
أكثر جمالا.
الرواية من منشورات الرعاة للدراسات والنشر،
رام الله، فلسطين، ودار جسور للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2023.
إرسال تعليق