كان يمشي متبخترًا بجوار الصف الطويل لرجال القرية الذين كانوا ينتظرون الضابط الأشقر ذا العينين الزرقاوين لكي يلقي عليهم تعليماته، حاول أن يتجنبني على عكس عادة الجندرما، لكنني لم أرفع نظري عنه، كان يحس بي مثلما أحس به، مما اضطره إلى أن يحدّق بي بعينيه الجاحظتين. سألني:
- كأنني رأيتك من قبل !؟
- بل رأيتني ورأيتك
- صحيح؟ أين؟
- قل متى ولا تقل أين. ما زلتَ على ما كنت عليه من أيام الجندرما؛ بوجهك الأصفر، وعينيك الزائغتين
- لقد تغير كل شيء.
- لا، ليس كل شيء، فما زلتُ أذكر سوطك وتلذّذك بجلد ظهور السجناء، وما زلت أذكر فرسك التي كنتَ تسوق الناس أمامها وهم خائفون من أن تدوسهم بحوافرها، ولعلها هي نفسها أو ابنتها تلك التي تقف أمام أعيننا الآن، والتي أمرتَ الفلاحين أن يملأوا مخلاتها بالشعير، أما أنت فما زلت تلهث من التعب كما يفعل كلب الراعي عند مطاردة الخراف، يلهث وهو مستمتع بما يصنع. إنه الطبع؛ ومن الصعب تغييره.
- اخرس أيها الوغد
- ألم أقل لك أن هناك أشياء لا تتغير. لقد تغير لون بزّتك ولون أزرارها وشكل قبعتك. ولكن يجب أن تعلم بأن هناك أشياء أخرى لم تتغير
- ما هي!
- أنا لم تتغير حالتي، كما أنك لم تتغير ولن تتغير.
طأطأ قليلا، تشاغل عني بضرب طرف بنطاله بعصا الخيزران التي كان يهزها كأنها تتفلت من يده، تركني ثم مشى مكملاً مسيره بمحاذاة الصف.
إرسال تعليق