-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

طبيعة الصراع الفلسطيني الصهيوني في "رواية بيت للرجم بيت للصلاة"/ الناقد رائد محمد الحواري

طبيعة الصراع الفلسطيني الصهيوني في

"رواية بيت للرجم بيت للصلاة"

أحمد عمر شاهين

يمكننا القول إن هذه الرواية تأخذنا إلى الروايات الفلسطينية (الكلاسيكية) فموضوعها يتحدث عن بدايات احتلال فلسطين وما تبعه من هجرة وتشتت للفلسطيني، كما أن الشكل والأسلوب الذي قدمت به الرواية يعود إلى الماضي، حيث كانت الرواية تهتم بالفكرة وسهولة إيصالها للقارئ، من هنا نجد تتابع الأحداث وتسلسلها، بعيدا عن أي إضافات تجميلية، فجاء الشكل والموضوع منسجمان معا، ويخدمان فكرة احتلال فلسطين وما لحق بفلسطين والفلسطيني من تشويه ومحو.

العنوان

عنوان الرواية يشير إلى أن وجود شيء قبيح "للرجم" وشيء جميل "للصلاة" وهذا يعود إلى أحداث الرواية التي تتحدث عن تجارة الحشيش، حيث يقوم "شلومو وإبراهيم" بها، فقد أراد إبراهيم من تجارة الحشيش المال وتخريب مجتمع الاحتلال، وهذا ما نجده في الحوار الذي تم بين "أحمد" بطل الرواية وخاله "إبراهيم":

"ـ أنت في هذه الدولة ليس لك كيان، ستعيش حقيرا أو خادما لهم إلا إذا كان لديك نقود، والحصول على النقود صعب، فلكي تكون سيدا يجب أن يكون لديك الكثير منها وهذا الطريق الوحيد المتوفر لنا الآن على الأقل" ص 70، أما عن توابع تعاطي الحشيش وما يحدثه من خراب في الأفراد والمجتمع، فيقول: "فليصبحوا جميعا مدمنين وليذهبوا إلى الجحيم...يأتون بعد حروبهم وحملاتهم ليمارسوا الدعارة وتعاطي المخدرات، وهذا عظيم" ص70و71، إذن صيدلية "إبراهيم" هي مكان لتوزيع المخدرات، وبما أن نتيجة ذلك سلبية وكارثية على المحتلين، فكانت بمثابة بيت/مكان للجريمة/للرجم بالنسبة للمحتل، وبالنسبة للفلسطيني بيت للمقاومة/للصلاة وإحداث أكبر قدر من الخراب والتدمير في مجتمع الاحتلال، بهذا يكون العنوان موفقا ويخدم فكرة الرواية.

وإذا علمنا أن "أحمد" يقوم بالاستفادة من معارفة الذين يعملون في تجارة المخدرات لتأمين أسلحة للمقاومة، نتأكد أن العنوان منسجم تماما مع مضمون وأحداث الرواية.

الأحداث

تبدأ الرواية بالحديث عن احتلال فلسطين وتحديد مدينة يافا: "لماذا رحلوا؟ لماذا يخرج سبعون ألفا من المدنية في ثلاثة أيام أو أربعة أيام؟ أخوفا من قصف مدفعي يهربون؟... قصف مدفعي متواصل أيام الاثنين والثلاثاء وليله الأربعاء" ص18و19، وهذا ما جعل عائلة "أحمد" تفر إلى غزة، وتنساه في البيت، السارد يحدثنا عن كيفية الاستيلاء على بيوت المدينة: "جاءت عائلة سكنت الدور الثاني وأخرى في الدور الرابع، وعائلة ثالثة سكنت الطابق الخامس، حرت كيف أمنعهم لم أستطع، ولا حتى خالي إبراهيم استطاع، البيت بيتنا وهو ملكي الآن، وهم ينكرون عليّ ذلك، قلبت كل أوراق أبي بحثا عما يثبت ملكيتنا للبيت، لم أجد شيئا، ... قال خالي حتى لو وجدت الأوراق فلن يجدي ذلك، فالمسألة ليست قضية أوراق" ص53، هذا المشهد يبين حقيقة الصراع وطبيعته، احتلال بلاد وتهجير أهلها منها، وجلب آخرين ليقطنوا في المدن والبيوت، بهذا الشكل يحدد السارد طبيعة الصراع.

ويعطينا موقفه من كل ما هو (إسرائيلي) بهذا المشهد:

"...ما أخبار راكاح؟... ألا يفكر أعضاءه اليهود بالرحيل عن البلاد؟

ـ ولماذا يرحلون؟

ـ ألا يقولون بأنهم يؤيدون الحق الفلسطيني؟

ـ ـ وهل من يؤيد الحق الفلسطيني تطلب منه الرحيل عن البلاد؟

ـ أنا أودي لهم خدمة لن ينسوها، فأنا أشفق عليهم من البقاء هنا إلا إذا كنت تعتقد أن هذه البلاد لهم.

ـ أي سلام؟ هذا البيت الذي يعيش فيه ابن عمتك اغتصبته أربع عائلات صهيونية تحت سمعه وبصره، وهذه المدينة التي فتحت عيني عليها ورأت عيون أبي وأجدادي النور على أرضها، هل تظن أنه يمكنني أن أقتنع بأنها ليست مدينتي؟ أو أنه لكي أنعم بالسلام عليّ أن أرضى بالتفريط بجزء من وطني" ص146-147، نلاحظ أن الحوار يبين طبيعة الصراع مع الاحتلال، وإذا ما أضفنا مشهد احتلال البيت من صاحبه الطفل "أحمد" نحسم الأمر، ونتأكد أن الحق يحب أن يعود كاملا إلى أصحابه غير منقوص، هكذا يرى "أحمد" الصراع من الاحتلال، وهذا ما تحدثت عنه الرواية.

ومن مسببات الهجرة ما وعد به جيش الإنقاذ الفلسطينيين، حيث أكد للفلسطينيين أن هجرته ستكون محدودة جدا: "كلها أيام قليلة وتعود إلى بلدك معززا مكرما" ص91، هذا على صعيد الوعود التي أطلقها جيش الإنقاذ، أما على صعيد المعركة والحرب فكان بهذا الشكل: "لم ينفذ العرب شيئا من وعودهم ولا خططهم، لموا السلاح من الفلسطينيين وتراجعوا، ولم يقتربوا من الحدود التي عينتها الأمم المتحدة لليهود في قرار التقسيم، سلموا مدنا بكاملها لليهود، أضاعونا يا بني" ص92، فالسارد يكشف حقيقة ما جرى في فلسطين، مبينا أن هناك تخاذل رسمي عربي ساهم بشكل فاعل في ضياع فلسطين واحتلالها من قبل الصهاينة، وإذا ما توقفنا عند الاقتباسات السابقة، نتأكد أن الصراع مع الاحتلال لا يمكن حسمه وإنهائه إلا بالحرب، كما أن هذا الحسم بحاجة إلى تغيير الأنظمة الرسمية العربية وتغيير طبيعة دورها، هذا ما يخبرنا به السارد، فحالة الفلسطيني قبل ال48 لم تكن أفضل مما نحن عليه الآن، وبما أن العدو أقوى الآن مما كان في السابق، فلا بد من وجود قوة ، من خارج فلسطين تستطيع تغيير ميزان القوة لصالح الفلسطيني والعربي، وإلا سيبقى الصراع يتراوح في مكانه، بمعنى بقاء دولة الاحتلال بقوتها المطردة.

المكان

السارد يتناول المكان بأكثر من صورة، كيف كان قبيل الاحتلال: "مررت أمام سينما فاروق وكانت مهدمة نتيجة القص، وجريت إلى شارع الملك فيصل واختفى الباص عن نظري"ص22، وبعد الاحتلال: "هدموا مسجد السكلك وتحول قسم إلى ملهى ليلي والقسم الآخر مصنع للبلاستيك، وجامع الفنار المطل على ميناء يافا استولت عليه شركة سياحية حولته من مكان للعبادة إلى مكان سياحي، ومقام علاء الدين تحول إلى مقهى" ص81، ولم تقتصر التحولات على المكان بشكله المجرد، بل طالت الناس أيضا، خاصة بعد أن تم تهجير وقتل من كانوا فيه واستبدالهم بآخرين، من هنا نجد أن جريمة الاحتلال متعددة الأوجه، فحال من هجر من وطنه كان في غاية السوء: "صغار كبار يأكلون قشر البطيخ كقوتهم الوحيد وينامون في العراء دون غطاء" ص89، بينما كان المحتل ينعم بالبيوت وخيرات البلاد.

فمن خلال هذه المشاهد والحوارات نصل إلى طبيعة الصراع العربي الصهيوني، فقد أوصلت لنا الرواية ما هو مهم ومفيد، فقد ابتعدت عن الخوض في شروحات سياسية وتحليلات لا فائدة منها، فالأحداث وصورة الاستيلاء على البيوت، والحوارات التي تمت توضح للمتلقي حقيقة ما جرى في فلسطين، وتضعه أمام الواقع وكيف يمكن استعادة فلسطين وإرجاعها إلى أصحابها.

الرواية من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، الطبعة الثانية، 2023.

 

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016