إلى روح جدي لأمي الشاعر العربي الفلسطيني
"حسين أبو زميرو" الذي يرقد جسده في قرية شٍنوَةَ في الجزائر .
على شط شنوة
يوم التقينا لأول مرة
شممتُ روائح ناسكة تجرح الليل
تبدأه من تثاؤب زهرة
وكان المساء مساء القصائد حين التقينا
شفيفا عفيفا كناسكة البحر (شنوة)
لم تدخر يومها غير ظلي
تحلي اللقاء بأشواق حرة
ويا شوق تلك القصائد ...
ما أعذب الشعر! حين اختلطنا
بعزف المياه ورقص الرياح
ولم نسترح بعد
والوقت جمرة
تماهى حنين القوافي بأصواتنا
حين ساءلت جدي وقال: تصوف تعرف
فان التصوف في شعرنا العربي
طريقتنا لولوج الفضاء
وقوميتي يا ابن قلبي سماء
فقلت لنفسي: يحدثني عن سماء وينسى بأن
المساء الذي ضمنا لا حدود له لا سماء.
وكان العشاء بكل احتواءاته عربي المذاق
فقلت: على شط شنوة خبز يشابه جوعي إليه
وفي كل شط رغيف يشابه جوع العشاء
وجوع القصيدة ...
قلت: وهل تستحيل القصيدة حينا إلى خبزها ...
أم إلى حاجة الشعراء إلى الانتماء؟
فقال: تصوف تعرف إلى الخبز والشعر والأنبياء
ونام المساء على شط شنوة
وابتل أيار من مطر موسمي
وماء الهواء كهر تحرر من قيد أصواتنا
وغفا في العراء.
جميل هو الصبح في شط شنوة
حين التقينا وقمنا لنمشي في جانب البحر
قهوتنا في يدينا
وصهوتنا تركت للجياد باقصى البلاد
ولم تعترف بفروسية الوقت فينا
ولا بانوثة أرض القصيدة
نطل على البحر من شرفة في بلاد بعيدة
ويذكر جدي: هنالك -يا ابن انتظاري-
تزوجت حيفا بجدتك الكرملية
وصارت بأرض اغترابي هوية
تشابهني الأرض أكثر في ساحل البحر ..
أعرف أني تبوأت جرحي وقمحي
وأهدرت في الدرب ذبحي على شجر الجوز
علقت قافيتي - في جنون الحداثة- في ذيل عاصفة
وانصهرت بأندلس السحر والشعر والقصص الساحلية
تحرك في داخلي الموج قلت: تصوف تظرف
فان البصيرة تُسكٍننا وردة
أو تذيب النهار بأجسادنا راحلين
على شط شنوة يوم التقينا لآخر مرة
يعاود جدي التفاتته نحو وجهي
ويركب زورقه بعد حين
يضيف إلى أرض شنوة ظلا
ويرحل.
شكرا
ويترك في شجر الجوز سرا
وعصفورة ترشد القادمين
تعني ..
على شط شنوة يوم التقينا لآخر مرة
توقفت في عبرة لا يكفكفها ألف عبرة
تعرفت كيف أكثف روحي بمضمون فكرة
إرسال تعليق