-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

كتّاب إربد يحتفي بالمنارة الرابعة، منارة الشاعر د. الشلبي


يقول الشاعر د. محمود الشلبي في قصيدة له بعنوان " التفاتة":

"ألتفت إليك كما يلتفت صباح للنسمة؛ أو ليل للنجمة؛

أو قلب يوقظه الخفقان

لتبقى الكلمة

ألتفت إليك وأذكر ما لم

يذكر بين السطرين؛

وأحمل ظلي فوق الكتفين

وأشرب ماء الغيمة

أتذكر باسمي وهج سطوري

أسأل عنك بزوغ النور بعين

حروفي؛ لا أحتاج دليلا

حتى أعرف أنك طيف

ينطق بالحكمة

يتجدد كالأمواج ببحر رهو

فيه القمر يسابق حلمه

تبدو فيك الأشياء كمائن

يعرفها الصياد ويقصدها

في الأبعاد فلا تنصفك

الأوصاف فألجأ للشعر

أسائله عنك يقول:

تأمل مرٱتك واقرأ فيها المعنى يبحث عن معنى

واعلم أن العاشق

يشبه رسمه"

بهذه البهجة، يبدو قلق الشاعر حين يتكئ على حرفه، بأوعية شفيقة تشفّ عن جريان الشعر، صافيًا كأنّ مبعثه حكمة المعنى، أو معنى الحكمة، ولهذا لا بدّ من تحولات المرايا، وتجسير الهوة بين فعل القول وسيولة اللغة، ليونتها المهداة التي طافت بنا في فضاء قاعة المؤتمرات والندوات في القاعة الهاشمية التابعة لبلدية إربد الكبرى، طوافّا محترزًا لعدته، وقابضًا على أيامه المخصبات.

الطواف الذي أعدته رابطة الكتاب الأردنيين فرع إربد، مساء أول من أمس، ضمن مسارات " منارات إبداعية"، كان رائيًا، مصاحبًا لمعزوفةِ الأثر، ومنشغلًا  بحنين الاسترجاع  وهو يدور في حدائق المنارة الرابعة" منارة الشاعر د. محمود الشلبي"، المنارة التي أضاءت شعلتها منذ " عسقلان في الذاكرة".

لم تكن الأمواج الشعرية التي أفصح عن حومتها في مدونة " الشلبي" صاحب المنارة الرابعة، د. مصلح النجار، د. سالم دهام، وجعفر اللقطة، صاخبة الحرف، أو هادئة الميول والمثول بين يدي تجربة رائدة، إنما كان لها قصب السبق في إثارة المغزى الدلالي الذي ارتهن لعمق التحولات التي كُشف عنها في حضرة المقام والحال، مقام التجربة، تجربة المحتفى به،  وحال الشاعر للوصول إلى لحظة العرفان الشعري.

أسئلة الشعر، المادة البصرية التي أضاءت أولى ثكنات التجربة المليئة بشغف القول، ومفتاح شعريتها الحضور العالي لصاحب القول، هي حصيلة المفتتح الذي كان لا بدّ منه للولوج إلى عوالم شديدة الوضوح،  في أمسية تدارك أصواتها أكاديميون ومثقفون، شهدوا لها، وهي تبحث عن الشعر وموضوعاته، والقصيدة ومؤنساتها من متون، كالالتفات إلى موضوعة الماضي واسترجاع الواقع والألم والحنين، التفاتة تسبر غور شاعر الصورة، وتتماشى مع قصيدة اللغة في مشوارها الواثق في الحقل الدلالي وبناء المقطع الشعري وإكمال دائرة النص وحيواته.

إلى ذلك شكّلت الأمسية جسر صعود إلى بنية التوجه الأثيري الذي نسّقه المحتفى به، وهو يذرع طرفي معادلة الكتابة الشعرية، لذائقة اكتمل قوسها المتمثل بالالتفات إلى " الكبار"، وذائقة تحفيزية تمهّد لجلبة خاصة، رؤية وتفكيرًا، مهادها التربة الصالحة التي التفت إلى بذورها، عبر تقنيات الكتابة وأساليب التعبير، كلها موشّحة بأسرار الدهشة، وحضور المتلقي وأدواته، والإشارات والضمائر والإحالات، مسكونة بالبنى السردية، وحجم الثروة اللفظية وحيوية معجمها الشعري، وامتدادها الطبيعي إلى شجرة الشعر وأغصانها.

الأمسية التي انحازت إلى الجمال الإنساني، لم تبتعد عن مسارات القلق الوجودي في شعر المحتفى به، ولم تسقط من حساباتها الثنائيات الضدية التي فتحت تعدد الدلالات على العادي من القول باتجاه تأصيل شعريته، كما أنها لم تفارق خطوة الاغتراب وأثره على الذات وتشكّلاتها، وفراق المحبوبة وشفافية المرمى الذي تسعى اللغة لتجسيده في سياق التوازن الإنساني ، ولم تستظهر الرثاء إلا في منازل الأثر ومواجهة الواقع.

في ختام تأصيل المنارة الرابعة في نفوس الحضور، وفي محاولة نقشها على جدار الذاكرة الجمعية، قرأ الشاعر د. الشلبي، باقة من قصائده، منها: " مرآة البحر، وأقحوانة الشمال"  يقول فيها:  

غنَّيتُ إربدَ فاخضرّتْ مغَانيها،

وذاب في اللحنِ معنىً

مِنْ معانيها.‏

نَفْسي بها منذُ عهدِ الحِلم مولعةٌ،

وما أزال مُعنَّى

في مآقيها.‏

فما أرقَّ نُسيماتٍ تَطوفُ بها،

فوق السُّهولِ،

وقد لاحتْ غواديها.

وقبل الذهاب قريباً إلى المنارة الخامسة، كرّم نخبة من الأكاديميين، الشاعر السلبي والمشاركين في إنارة تجربة صاحب المنارة الرابعة.

_____

قريبًا تدرج السيرة الذاتية والإبداعية للشاعر

 







إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016