-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

في الشعر / الشاعر عبد القادر الحصني

أرأيتَ إذا أردتَ أن تصلَ إلى مكانٍ، وكان وصولُكَ إليه موضوعًا جِدّيّاً مُلِحّاً، فأخذتَ عربةً مُستعيناً بسائقٍ يعرف الطريقَ، أو يتّبع الـ ج ب س، فاعلم أنّك قد اتّخذتَ وسيلةً نثريّةً للوصول حتّى لو كانت السيّارةُ مزيّنةً، وراديو السيّارة آنسكَ بأغنية تحبُّها، والسائق كان لطيفًا ودغري... إلخ

أمّا إذا قصدتَ إلى ذلك المكان بمجرّد إشارة إلى الجهة، وسلكتَ بعينيك، والتوى بك الطريقُ، فضعتَ، واهتديتَ، وعشتَ مخاوفَ ألّا تصلَ، وبوارقَ فرحٍ بأنْ لا فأنت على الطريق حقّا، ثمّ دارت بكَ على الطريق دوائرُ الفرجةِ بأسواقٍ ومقاهٍ ومواضعَ مزدحمةٍ فيها إشكالاتُ متشاكلين وكلام تظنّه مختلطاً، فإذا تذوّقت ما ترى وتسمع رأيتَ معرضًا للوحات من الفنّ التشكيليّ، وخشبةً لمسرح، وفصلاً من رواية. وقد تقتعدُ أحدَ هذه الأماكن لأنّه أعجبك، وتدخِّن سيجارةً مع فنجان قهوة، ويمرُّ بك مَن يتفرّج عليك كما تتفرّج أنت عليهم، وكنتَ على يقين من أنّ كلّ ما ترى وتسمع هو من موضوع وصولك، بل ربّما كان منه ما هو أهمّ من أن تصل، وجازفتَ بمسافةٍ أنت تعرف أنّها تميل بك عن الطريق الذي تخيّلتَ لأنّ صبيّة جميلةً جرّت خطاك وراءها.

ثمّ إذا وصلت إلى المكان الذي كنتَ تقصدُ، فشعرتَ براحة أن وصلت، وأسف أن وصلتَ أيضًا، فثمّة طرق إليه كان يمكن أن تكون أجملَ مما سلكت. ولكن ما العمل وقد ألحّ عليك ما بدأت بأن تضع نقطةً، فلا بدّ من نهاية، هي ليست نهايةً فعلاً.

إذا اتّخذت هذه الوسيلة للوصول فاعلم أنّك قد اتّخذت عربة شعريّة.

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016