كَثُر في الآونة الأخيرة على السّاحة الثّقافيّة والفِكريّة والسّياسيّة والفلسفيّة الحديثُ عن أسباب تخلُّفِنا ورجعيّتنا وحالِنا المُزرية، وذلك في مَطلعِ القَرْن المُنصرم ومع بزوغ ليل الاسْتعمار الغربي-تقريبا-، وزادتْ وتيرةُ هذا الحديثِ في وقتِنا الرَّاهن بما نشهده من صِراعات وفتنٍ في منطقة الشّرق الأوسط، وتنوَّع الحديثُ وتشعَّب إلى مُسببات هذا الانشقاقِ والتمزُّق وجذوره وامْتداداته التّاريخية والسّياسيّة والدِّينيّة، والحديث عن مآلته ومخاطره، وتطرَّق إلى وَضْعِ الحلول لِوقفِ هذا الصّراع الدّمويّ والخلاف الفكريّ والتناحر الطائفيّ الَّذي أتى على الأخضر واليابِس، وأنْهكَ الحاضر والمُستقبلَ، وشوَّه منظومتنا القِيميّة والدِّينيّة والسياسيّة، واسْتنزف كلَّ مقدَّرات الأمّة بدءا من البشر، وانتهاء بالحجر والشّجر.
وفي خِضَمّ ذلك برزتْ طائفةٌ من "الحَداثيّين العرب" الَّذين في أغلبهم الأعمّ مِنَ اللّبراليين، والعِلمانيّين، والقَوميّين، واليَساريّين، والشّيوعيين، واللّائِكيّين...، ويُنْعَتون بالمفكّرين والعلماءِ والأدباءِ والحقوقيين والفلاسفةِ والمؤرِّخين والإعلاميّين...، فرفعَ هؤلاء القومُ لواءَ النَّهضة والتَّنوير أجْلَ إصلاحِ وضعنا الرّاهن باعتباره أحدَ عصورنا المُظْلِمة، وبوصفهم أربابَ النُّخبة والفكرِ والثقافةِ، فحَمَلُوا أعباءَ البَحثِ في بِنيةِ المُجتمعِ العَربيّ بكلِّ مَجالاته ومكوِّناتهِ، لِلوقوف على أرضيّة الخَلل لِمعالجتِها وتَصحيحِها وتقويضِ أساسِها، هذا ما نُلاحظهُ عند من اعْتَنى بِهذه المَسائل من معاشرِ الحداثيين، انْطلاقاً من فكرة البَحث عن حلٍّ لإخراجنا من التّخلف إلى التّقدم، ومن الفقرِ إلى الغِنى، ومن العَدم إلى الوجود، ومن التّابع إلى المَتبوعِ، ومن المُستهلِك إلى المُنتِج، ومن المهيمَن عليه إلى المُهيْمِن.
وعلى الرّغم من كثرة ما قِيَل عَنْ تلكم الموضوعةِ بكل ما يتعلق بها ويتشابك، إلّا أنّ المتتبعَ الحصيفَ والمُلاحِظ السّديد، سيلحظ، بِلا أدنى شكّ، في أكثر ما طُرح من كلامٍ أنَّ فتيلَ هذا الصّراعِ هو الدِّين، عانيا الدِّين الإسلاميّ، ومَردُّ ذلك –في تَصوّرِي- هو أنَّ البِنيةَ العقليّة الآنيّة لأولئك النَّفر تنظرُ إلى الأشياءِ من مَنظورٍ مباشرٍ لِلأحداثِ، فَهي مُؤسَّسةٌ على ثنائيّة (واقع/ متخيل)، فحكمها على الأشياءِ يَنبثقُ من هذه الثّنائيّة الَّتي شكَّلت نمطيةَ تفكيرهم العقليّ والمنطقيّ للأحداثِ، فينظرون إلى آنيّة الشّيء وواقعه المَرْئِي الَّذي هو في حقيقته آثارٌ لِمشكلٍ يختبئُ خلفَ ستار هذا الواقعِ المَرْئي الزّائف، وفي ضوْءِ هذه الرّؤيةِ الواقعيّةِ الزَّائفةِ يَبْني أحلامَه ومِخْيالَه في آلياتِ الحَلّ والانْتصار والقَضاء على الشّرّ ومُسبباته. وهذا بلا شَكٍّ، سَيقودُه أو سَيُدخِلُه في دوَّامةٍ فِكريّة وثقافيّة وعلميّةٍ لا أصلَ لها بِما يَدورُ مِن حَولِه، وليس لها علاقةٌ بموطنِ الصّراعِ الَّذي يقْبع بِداخِله هذا النّوعُ مِنَ العُقولِ.
وبناءً على هذا النَّمط التفكيريّ المُتقوقع على ذاتِه، وذاته فحَسْب، فإنَّه لا مناصَ إذن من أنَّ السّبب وراءَ هذا الصّراع والتّمزق والتّفرّق والتّخلّف الَّذي تعيشه الأمّة العربيّة هو الدِّين، كيف لا، وخلافاتنا المذهبيّة والفقهيّة والتَّاريخيّة هي محور هذا الصّراع، وهو مدار الحديث عن مسائل تتعلقُ براهننا سواء أكان على المُستوى النّظري أمْ على المستوى التّطبيقيّ كالقتل والذّبح والعُنفِ والكَرَاهيةِ والضِّغْنِ. ومِن هنا، لا بدّ من مُراجعةِ علاقتِنا بدِينِنا وذلك بالبَحث عن مَكامن هذا المُشكِل، ولا مِرْيَة أنَّه متعددٌ بتعدد مفهومنا للدِّين، فهل هو النَّص الدِّيني المقدَّس (القرآن)، أم هو السُّنة والحديث، أمْ المُؤسَّسةُ الفقهيَّةُ عبر مَسيرتها التَّاريخية، أمْ هو فِي تاريخِنا الَّذي تَحول إلى نصّ مُقدَّسٍ لا يَجوز المَساسُ به أمْ هو استراتيجيات الدَّعوة الدِّينيّة والخِطابِ الدِّيني، أمْ هو المَذاهب العَقديّة...؟ إلى غيرِ ذلك من مَسائلَ تَتصلُ بالدِّين وفلسفتهِ وخِطابه.
ومِنْ ثمّ، رأى هؤلاء أنَّ الدِّين وقضاياه المُختلفة هي موطنُ الخَلل الَّذي أدَّى بِنا إلى هذه الحال شبه المستعصية، وعَلَّقُوا كلَّ مَشاكلِ الأمّة بالدِّين ظنًّا منهم أنَّهم يسعون لِصلاحِهِ الَّذي سيؤدي إِلى صَلاحِ واقعِنا المَريرِ، وإخراجِنا مِنْ مَأزِقنا السّياسيّ والأخلاقيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والتّعليميّ والتّربويّ، فعكفوا أجلَ ذلك في محرابِ علوم الاجتماع والنّفس والفلسفة والأنثربولوجيا بحثاً وتنقيباً وتفتيشاً لِيُسقطوها، بِمنظورِها الكليّ والجزئيّ، على مَسائلِ الدِّين الأصولية منها والفرعيّة، فتنوعتْ دراساتُهم وأبحاثُهم وأعمالُهم، فطالتْ القرآنَ وعلومَه، والعقيدةَ وأصولَها، والفقهَ وأصولَه، والحديثَ وعلومَه، والتّاريخَ وشخصياتِه وأحداثَه. وهكذا، أصبح الدِّينُ هو شغلُهم الشّاغل، وذلك لِكونه السّببَ الرّئيس لكل ما نُعاني مِنه في حاضِرنا. وحتى تَستقيمَ حالُنا، فإنَّه لا مَفرَّ من إصلاح الدَّين من خلال تجديدِه أو محوِ ما لحِقَ به عبْرَ مسيرتهِ التَّاريخية من تشويهٍ ولَغَطٍ وتزْييف، أو بِإبعادِه عَن مجالاتِ الحياةِ المَدنيّة والسّياسيّة، أو بِإلغائِهِ جُملةً وتفصيلاً.
وفي هذه الحَالِ فقد أُتيح المَجالُ أمامَ القاصِي والدّانِي والجاهل والعَالِم أنْ يتحدثَ في ما يَشاء، ويهرفَ بما لا يَعرف، وأصبح الدِّينُ وعلومُه ساحةً لِلجُهلاءِ ممّن هبَّ ودبَّ من الدّارسين والمُثقفين وأنْصافِ العُلماءِ، وذلك باعتقادهم أنَّ هذه القضيةَ هي قضيتهم الأساسُ، وظنًّا منهم أنَّهم بوصفهم مُسلِمين وعَرباً فَهُمْ قادرون على أنْ يَنْقدوا ويُنكروا ويثبتوا، ويَقْبَلوا هذا ويرفضوا ذاك، فتحولت المُشكلةُ الصّغيرة إلى كبيرة، والكبيرة إلى أكبر منها، وبدل من أنْ يُضيِّقوا الخلافَ أوسعوه، ويُفصِحوا عَن المُبهم والغامضِ زادوه غموضاً وإبهاماً، وبِنظْرةٍ فاحصةٍ، فقد كانَ لِهذه الرّؤيةِ خطرُها العميقُ، وواقعُها العَصيبُ، وأصبحتْ مُشكلاً حقيقيّا بَدل مِن أنْ تكونَ حَلّا ومَخرجاً مما نحن فيه.
بداية، أقول لهؤلاء إنَّ الدِّين، وهنا أريد أنْ أبيِّن الدِّين تِبياناً عامّاً شائِعاً دون الدُّخول إلى مَتاهاتِ تَعريفِ هذا المُصطلحِ فَلسفيّا وأيديولوجيّاً وتاريخيّا، إنَّ الدِّين في أبْسط تعريفاتِه يَنقسِم إلى قِسمينِ: أصْلٍ وفَرْعٍ، ولعلَّ من الأهميَّة أنْ يُشار إلى التّفريق بين هاتين الجُزئيّتين الّلتين تتفرعان من مصطلح الدِّين، فالأصلُ هو ما يُعرف بالوحي أو النَّص المُقدس قطعيّ الثّبوت، كالقرآن العظيم وصحيحِ السُّنة المُتواترة، وينقسم هذا النَّص إلى قطعيّ الدِّلالة وظنيّ الدِّلالةِ، فقطعي الدِّلالةِ لا خلافَ عَليه عِند جُمهورِ المُسلمين، كأركانِ الإيْمان وأرْكانِ الإسْلام والمُحرَّمات والمُباحاتِ والحُدودِ وغير ذلك مما دلَّ ظاهرُ النَّص على معناه ومَقْصَده، أمَّا الفرعُ فهو ما خَضَع للأفهام البَشريّة لِلنَّصِّ ظَنّيّ الدِّلالة، أيْ: هو اجتهادٌ بَشريٌّ خاضعٌ لِمناهجَ علميةٍ ونظرياتٍ ومرجعياتٍ وقَواعدَ وأُسسٍ، وهي متغيِّرةٌ بتغيُّرِ الأحوالِ والأفْهامِ والأدْهارِ، وبذلك فهو عِلمٌ كباقي العُلومِ، كالطِّب وعِلْمِ الّلغةِ وعِلْمِ النَّفس والاجتماعِ والفِيزياءِ والرِّياضيات وغير ذَلك، ويَدخلُ فِيه: الفِقه وأصوله، وأصولُ الحَديثِ وعلومُه، وعلومُ القُرآنِ، والسِّيرةُ، والتَّاريخُ بِكلّ ما فِيه مِنْ أحْداثٍ وشَخصياتٍ ومَسائلَ، أمَّا الدِّين بوصفه نَصًّا مُقدَّساً مُجرَّداً عن أفْهامِ البَشر وتأويلاتِهم فَهْوَ وَحْيٌ لا مَجالَ لِلنِّقاشِ فِيه، لأنَّه أصلٌ لا خِلاف عليه عِند مَعاشِرَ المُسلمين باخْتلافِ مَذاهبِهم وطَوائِفِهم ومَشارِبِهم؛ إذنْ لا عَلاقةَ لَه بأيّ خِلافٍ بين المُسلمين، إذْ هو الركنُ الأساسُ للدِّين، فَبِه يكونُ المُسلِم مُسلِما وبغيره يكون غيرَ مُسلِمٍ.
وعليه، فإذا كانتْ قضايا الدِّين ذات العَلاقةِ بالأفهام البشريّة، وذلك بوصفها علما، فإنَّه يعني أوَّلا، أنَّ الخوضَ فيه بهدف تطويره أو تجديده أو ربط ما بينه من جسور التّصالح والتَّسامح والإخاء، لا بدَّ أنْ يكونَ الخائضُ فيه على دِراية ومَعرفَةٍ بهذا العِلْمِ، وأنْ يكون قد درَسَه دراسةً عِلميةً تناولتْهُ مِن جَميعِ زواياه العِلميّة والثقافيّة والدِّينيّة والفلسفيّة، وأتتْ على مُقارباتِه المَعرفيَّة كُلِّها، وإلَّا لكان مَثَلهُ كَمَثَلِ مَن قرأ كتابا أو كِتابين في الطّبّ وبعدها باتْ يَرى نفسَه مُخوّلا أنْ يفتح عيادةً طبيّة لمعالجة أمراض القلب والشّرايين وهو قد تخرَّج في كلية التّربية أو الآداب أو العلوم، ولا شكّ أنّه سيكون مَحطّ سخرية واستهزاء فضلا عن أنّه سيُتّهمُ بِعقله، وللأسف، فإنّ هذا هو الحاصل في ما نحن بصدده الآنَ، غير أنّ موضوعنا ليس في الطّب بل في من يعتقد أنّه مخولٌ لتجديد الدِّين والبحث فيه، وهو كطبيبنا الزَّائف.
إنَّ وجود عدد لا بأس به من الحداثيين الَّذين كرّسوا حياتهم في البحث في قضايا الدِّين ومسائله غرضَ تجديده والتَّفريق بَيْن غَثِّه وسَمِينِه، هم مِن غير المُتخصصين بِعلومِ الشَّريعة على اخْتلافِ مباحثِها وفُروعِها، فأغلبُهم من كُلِّيات علمِ الاجْتماع والفَلسفةِ والتَّربيةِ وعلمِ النَّفس والأنثربولوجيا وغيرها من العُلومِ الإنْسانيّة ذاتِ الاخْتصاص المُستَقِل والعلمِ القائم بِذاتِه، فأقْحموا أنفُسَهم في علومِ الدِّين كُلِّها، كالفقهِ وأصولِه، وعلمِ الحَديثِ، وعلومِ القُرآن ...إلخ، فأصبحوا يَنتقدون أئمَّةَ الفِقهِ الأربعة المَشهورين، وشيوخَ المُحدِّثين ورواتهم قديماً وحديثاً، فالشَّافعي أخطَأَ في كذا وكذا، وهو من أسْبابِ دَمارِنا وتخلفِنا، وكذلك فلان وفلان، وتَكلَّموا في الحَديثِ وعلومِه ومَشايخِه وعلى رأسِهم البُخاري ومُسْلِم، فَصُرنا نَسمعُ عباراتٍ من شاكِلة: مَنْ هو البخاري؟!! ومَنْ هو مسلم؟!! على السُّخريةِ والازدراءِ، وفي صَحيحِيهما أحادِيث موضوعةٌ وضعيفةٌ ولا يَجوز الأخذُ بهما، والدِّين أكبرُ مِنهما، ولا أأخذُ دِيني من رَجُلٍ مِثلي يُخْطِئ ويُصِيب، وتَحدثوا عن التَّاريخِ وشخصيّاتِه طَعناً وتَشويهاً وتَحريفاً، فَضلًا عن وقَاحَةِ بَعضِهم فِي تَعاطِيهم مَع المَباحثِ ذات العلاقةِ بالذَّات الإلهية ولفظ الجلالة (الله) –تعالى وتجبَّر- والقرآنِ العظيم والأنبياءِ –عليهم الصّلاة والسّلام-، والصّحابة الكِرام –رضي الله عنهم- بِشَيءٍ من عَدَمِ التَّوقيرِ والاحْترامِ والتَّقديرِ. وممّا يُؤسف له، أنّ بعضَ هؤلاء الحَداثيّين لم يقرؤوا أيَّ علمٍ من هذه العُلومِ قراءةً مستفيضةً دقيقةً هذا أوّلًا، وأنّ البَحثَ في هذه العُلومِ يَجبُ أنْ يكونَ هو الأصلُ والبَحث في العلوم الإنسانيّة الأخرى هو استثناءٌ يُرجعُ إليها كعلومٍ مُساندةٍ ومُساعدةٍ لِفَهْمِ عَددٍ من الظّواهر ذاتِ العَلاقة بِقضايا دِيننا نَفسيًّا وتاريخيًّا وفلسفيًّا، وليسَ العَكْس كما هو حاصلٌ، هذا ثانياً.
فالَّذي يريد أنْ يتحدثَ في الفقهِ وأصولِه سواء أكانَ في قواعدِه وأصوله المنهجية أم في مشايخه أم فتاواه أمْ أسسه ونظريّاته، لا بدَّ له أنْ يقرأَ هذا العلمَ قراءةً مستفيضة عميقةً لا يترك فيها شاردة ولا واردة، بِدْءًا بقراءة نتاج الإمام أبي حنفية النُّعمان ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أئمة المَذاهبِ الإسْلاميّة على كَثرتِها واختلافِها وتنوّعها، ويقرأ نتاج تلامذة هؤلاء الأئمة، وعلى رأسهم نتاج الإمام أحمد بن تيمية ونتاج تلميذه ابن القيِّم الجوزيّة، ويقرأ ما نتج عن الأئمة من تطوير وتغيير وتحديث عبر العصور وكرور الأيام، وذلك في سياقها التّاريخيّ والثّقافيّ والدِّينيّ، ويقرأ الموافقات/ للإمام الشَّاطبي، والفروق/ للقَرافي وغيرهما من الكتب الَّتي عنيت بمقاصد الشريعة ومناط الأحكام والقواعد الأصولية والفقهية و عُنيت بالفقه والفتوى قديماً وحديثاً، وأنْ يكون على دراية بدلالات الألفاظ العربية وما يعرض لها من نسخٍ وترجيح وعموم وخصوص وأمرٍ ونهيٍ، في إطار ما يُحيط بهذه القضايا من مقامات متصلة بالحالة الفقهية في كل مرحلة من مراحلها. وفي علوم الحديثِ، عليه أنْ يقرأ قراءة اللّوذعي السّديد المتيقظ عِلمَ الدّراية والرّواية وعلم الرجال والجرح والتعديل وعلم مصطلح الحديث والناسخ والمنسوخ، وعلم العلل، وعلم التّراجم، وعلم الشروح، وعلم غريبِ الحديث، وعلم مختلف الحديث ومشكله، وأسس المعارضة والتّرجيح، وكتب الحديث كلّها صحيحها وضعيفها وموضوعها، ويقرأ رواة الحديث سيرة وتاريخاً ومَنْهجاً كالبُخاريّ ومُسْلِمٍ وأصحابِ الكُتُبِ التِّسعةِ وجميع المُحدِّثين الأعْلامِ قديماً وحديثا، وكُتُبَ شروح الحديث، وأنْ يَأخذ هذه العلوم من مَظانّها الأصيلة، ثمّ يوازن ويعارض ويرجح، ثم بعد ذلك يَحقّ له أنْ يرفضَ وأنْ يقبلَ بعد أنْ يُبيِّنَ ويوضحَ للمتلقي أسبابَ رفضه وقبولهِ بطرائق علميّة ومنهجيّة يقبلها الآخر بكل مِصداقيّة ورحابة صدرٍ.
وقُلْ مِثل ذلك في علوم القرآنِ؛ إذْ لا بدَّ للمُتحدِّث في هذا الحقل أنْ يكونَ على درايةٍ بمسائلَ النَّاسخ والمنسوخِ والمُحَكمِ والمُتشابهِ وأسبابِ النّزول ومناسبةِ الآيات، ومعرفةِ أوّل ما نَزَلَ وآخر ما نَزَلَ، والمَكّيّ والمَدنيّ، والقراءات المُتواترة والقرّاء العشرة، والقِراءات الشّاذة، وكُتُبِ تفسيرِ القرآن الَّتي نيَّفت على المِئةِ، ومعرفةِ وُجوهِ القرآن ونَظائره ومُبهماته، ومُوهم الاخْتلافِ والتَّناقضِ، ومُفردات القُرآنِ والسُّنن الإلهية، ومبادئ القُرآنِ العامّة وقِيَمِهِ، وفَضائِل القُرآنِ وأحْكامِه وأسَالِيبِه، وأمْثال القُرآنِ وجَدَلِه وأقْسامِه، فَضلاً عَنْ إِلمامِه بالُّلغة العربيّة صوتاً ونحواً وصرفاً ودلالةً وتداولاً وبلاغةً، ومعرفته بأسرارها وقوانينها وخصائصها، وسبره أغوارها والغوص في كنهها، وأنْ يكونَ على درايةٍ بآدابِ العربيّة شِعْراً ونَثْراً وأُسْلوبا، ومُطَّلِعاً على أهمِّ النّظريات اللّغويّة الحديثة في عِلم النَّص وتحليل الخِطاب وغيرهما.
أمَّا في التَّاريخِ لا بدَّ له أنْ يقرأَ، وهي على سبيل التَّمثيلِ لا الحَصر، سيرةَ ابنِ إسحاق وتاريخ الأمم والمُلوك/ للطَّبريّ، والكامل في التّاريخ/ لابنِ الأثير، وتاريخ ابن كَثير، وتاريخ بَغداد/ لِلخَطيب البَغداديّ، وتاريخ دِمشق/ لابنِ عَساكِر، وتاريخ الإسْلامِ/ لِلذَّهبيّ، وأخبار مَكة/ لِلأزرقي، وديوان الإسْلام/ لابن الغُزيّ، والوافِي بالوفيات/ للصّفديّ، ومروج الذَّهبِ ومعادِن الجَوهر/ لِلمَسعوديّ، والسّلوك لِمعرفةِ دولِ المُلوك/ لِلمقريزيّ، وعيون الأخبار /لابن قُتيبة الدّينوريّ، وتجارب الأمَمِ وتعاقب الهِمَمِ/ لابن مِسكويْه، والمَغازِي/ للواقِديّ، ومقدمة ابن خلدون، وكُتب الطَّبقات والسِّير، ولا ريبَ، أنَّ هذه المُصنّفات وغيرَها من كتب التّراث ذات العَلاقة بِسَردِ الأحْداث ونَقْل الرّوايات التَّاريخيّة تُعدُّ مَرْجعاً رئيساً لِدارسِ التَّاريخ ومَصدره الوَحيد لِهذا العلمِ، و قراءة الكتب الحديثة للتّاريخ وغيرها من الكُتب ذاتِ الصّلة كالتَّراجمِ والأعْلامِ، فضلاً عَنْ قِراءةِ نَظرياتِه ومَنَاهِجِه الحَديثةِ، فَعلَيْهِ قِراءة هذه الكُتُبِ قراءةً علمية تنقيبيّة، لا أنْ يتعاملَ معها كمعجم أو قاموس، بل ككتاب معرفةٍ لِيَتسنّى له مُقارنةُ الأحداثِ ورَبْطُها ببعضها، وفَكُّ رموزهِا، وكَشفُ زَائِفها، وتِبيانُ حَقيقتِها، في إطارٍ علميٍّ يَستَندُ إلى نِظامٍ دقيقٍ ومَنهجٍ صَحيحٍ ومنطقٍ خاضعٍ لِلمبدأِ العَقليّ لِصدقِ الرّواياتِ التّاريخيّة وقُبولِها.
وفضلا عن استقلاليّة كلِّ عِلمٍ من هذه العُلوم وأنَّه يُشكِّلُ بَوتَقةً خاصةً به، إلَّا أنَّها متشابكةٌ ومُترابطةٌ بِبعضها، وقدْ لا يَكْتمِلُ أحدُها إلّا بالاتّكاءِ على الآخر أَحياناً، ومن الخَليقِ بالتَّنويهِ ها هنا، إلى أنَّ المَذْكورَ آنِفا، من العلومِ الرَّئيسةِ للدِّين وما تفرعَ عنها مِن علومٍ ومباحثَ وقَضايا ومراجعَ هي عَلى سبيلِ التَّمثيلِ لا الحَصر، لِأضعَ القارئَ على عَظَمَةِ هذه العلومِ من ناحية الكَم المَعرفيّ المَهول، ووعورةِ مَسْلكِها وعُمْقِ غَورِها وخُطورةِ وُلوجِها، وأنَّها عِلمٌ لا يُجيده إلَّا من كانَ على قَدْرٍ عَالٍ من الصَّبر والجَلدِ على القِراءة والبَحثِ والتَّنقيبِ والتَّفكيرِ والتَّأمّل، وكَانَ صاحبَ ذَكاءٍ ثاقبٍ ونَظَرٍ دَقيقٍ وعَقْلٍ رَشِيد.
وربّما لا نَعدو الحَقِيقة إذا قُلْنا إنَّ غيابَ هذه المَعرفةِ العلميّة الدّقيقةِ بتلك العلومِ موجودٌ عند السَّواد الأعظمِ مِن الحداثيّين، وزيادةً على غِيابِها، نَجِدهم، وهي الطَّامةُ الكُبرى، يُسقطون نظرياتٍ وفلسفاتٍ غربيّةٍ سواء أكانتْ سِياسيةً أمْ دينيّةً أمْ اجْتماعيّةً أمْ غيرَ ذلك، على ثقافتِنا وتاريخِنا ودينِنا وحَالِنا، فجاؤوا بِمبادئِ المارِكسيّة مثلا، كنفي النفي والبِنية الفوقيّة والبنية التّحتيّة وإسقاطها على النَّص القُرآنيّ تَفسيراً وتِبياناً، كَما فعلَ نصر حامد أبو زيد مثلا، و وظَّفوا الفلسفة التّفكيكية لجاك دريدا في فَهْمِ نَصِّنا التّراثيّ شعرا وأدبا وقرآنا وحديثا وإدخالها كمنهجٍ تفسيريٍّ وتأويليٍّ للنَّصّ الدِّينيّ والتّراثيّ؛ لِيتوافق مع حاضرِنا وواقعِنا –بزعمهم-، واتكؤوا على المَنهج التَّاريخانيّ بكليّته في تفسيرِ تُراثِنا بتنوعاته المعرفية دون النّظر إلى البُعد الأخلاقيّ والدِّيني والإنْسانيّ، وثمّة حقٌّ وباطلٌ ومُصلِحٌ ومُفْسِدٌ. إضافةً إلى استيراد بعض المُصطلحات الغربيّة بمفهومها الغربيّ، كالعلمانيّة والديمقراطيّة والحريّة والعدالة الاجتماعيّة والتّحرر واللّيبراليّة وحقوق الإنْسانِ، والدّولة المدنيّة والدّولة الدِّينيّة، دون أدْنى تغييرٍ على المَفهوم الغربيّ وتطبيقاته، وتأثرهم الواضح بالفلسفة الماديّة والوجوديّة وفلسفة الاختلافِ، وبثلاثيّة: موتِ الإله وموت الإنْسان وموتِ المُؤلف، وغير ذلك.
لا شكَّ أنَّ الاطّلاعَ على عُلومِ الغَربِ ونَظريّاتِه وفَلسفاتِه مُهِمٌّ وضَروريٌّ إلى حدّ ما، ولكن هذا لا يَعني أنْ نُسقطَ كلّ ما عِندهم بالكُلية على واقعِنا وثقافتِنا، فَمِنَ المَقطوعِ به أنَّهم يختلفون عَنَّا ثقافةً ودِيناً ولُغةً ونَمَطَ عيشٍ وتَفكيرٍ فَضلاً عن اخْتلافِ الزَّمانِ والمَكانِ، فَنَجاحُ ثَورتِهم الفَكرية والتّنويريّة، لَيستْ بالضّرورة ناجحة عندنا بإسقاط ما نجحوا به علينا، لما بيننا من اختلافٍ عَريضٍ وعَميق، في المُقابلِ، فَإنّ هذا الإسقاطَ سيكونُ سَببا رئيسًا لِفسادنا وتَدميرنِا لِلتّباين الَّذي بيننا، فتنويرُهم غيرُ تَنويرِنا، لأنَّ بِنْيتَهم غيرُ بِنْيتِنا، وعليه، فلا بدّ أنْ يكونَ لتنويرنا منطلقٌ آخر لا علاقةَ له بِتنويرِهم أَلْبَتّةَ.
وفي هذا السِّياقِ، وجبَ الإلماعُ إلى أنَّ المُشكلَ الحقيقيّ لِلغربِ هو الدِّين، وذلك في عُصورِ تَخلُّفِهِم وانْحطاطِهِم فِي مَا يُعرف بالعَصر الوَسيطِ، بسببِ حُكْمِ الكَنيسة والرُّهبان، إذْ إنَّهم كانوا يحكمون باسم (الإله) وسلطانِه. وبالتَّالي، فإنَّ ظلمَهم وعدوانَهم ومحاربتَهم لِلعلم والتَّقدم والتَّفكيرِ، فُسِّرَ، حينئذٍ، على أنَّه من السّماء(الإله)، وأنّ ما يحدثُ لهم هو بإرادةِ (الإله) وعِلْمِهِ، وأنَّ هذا الدِّينَ الَّذي تُدين به الكنيسةُ هو الدِّين الَّذي يرتضيه هذا (الإله). ولذا، ثارتْ ثورتُهم العِلميَّة والتَّفكيريّة والتَّنويريَّة لِهَدمِ هذا الثَّالوثِ الظّالم والشّرير: (الإله، الدِّين، الكنيسة)، وهذا ما يُمليه المَنطق والتَّفكير السَّليم، فثالوثهم ذلك، يناقض العقلَ والحَياةَ والفِطرةَ والعِلْمَ والإنْسانِيّةَ. وهكذا، كَرِهوا (الإله) وأنْكروه فَشاعتْ اللّاأدريّة والإلحادُ، وحاربوا الدِّين والدَّولةَ الدِّينيةَ فظهرتْ العِلمانيّةُ، وتَحرَّروا من سُلطةِ الكَنيسةِ وظُلْمِها وقَمعِها فَظَهر بما يُعْرف بِحقوقِ الإنْسان والعَدالةِ الاجْتماعيّة والمُساواة، وتَمرَّدوا على النَّص الدّيِنيّ وعلى كلِّ مُقدَّسٍ لِلقضاء عليه وإلغائِه؛ لأنّه سببُ تَخلُّفهم وانْحطاطهم ورجعيتهم فَظهرتْ الّليبرالية والتّحررية...، وهذا ما حَصل بالضَّبط-تقريبا-. وتأسيساً على واقعهم السَّائد آنذاك، فَهُمْ غير مَلومين على ذلك إطلاقاً. فإذا كان ذلك كذلك، فإنَّ إسقاطَ نظرياتٍ وفلسفاتٍ هذا واقعُها وثقافتُها ودينُها، على ثقافةٍ وبيئةٍ تَختلفُ معها في هذا الثّالوث جُمْلةً وتفصيلاً؛ لَيُعدّ أمراً خطيراً ومُخِيفا، وفي الوقت نفسه، جاهلاً ومُتخلِّفا.
والمُدقِّقُ الحَصيف يُدرِكُ بلا أدْنى شكٍّ أنَّ ثورتَهم هي ثورةٌ على السّلطة الظَّالمة لِمحارَبَة الفقر والتخلف الَّذي كان من مُنتجاتِ هذه السّلطة ومُفرزاتِها، فلم تكن ثورةً على الدِّين من حيثُ النّوعُ، بل كانتْ مقصورةً، ساعتئذٍ، على دينهم الرَّاهن الّذي كان علةً لِواقعِهم البَائسِ، ولأنَّه سلطةٌ ظَالمةٌ تتحكمُ بِحياتِهم وتَفكيرِهم ومَصيرهِم، فَضلا عن أنّه متناقضٌ مع الفِطرةِ والطَّبعِ، فاسْتبدّت بالغربِ رغبةٌ بأنْ يثورَ على الدِّينِ لا بوصفه نَصًّا وتعاليم وأوامِر ومَناهٍ، بل لِكونِه سُلطةً جائرة تحاربُ العِلْمَ والعقلَ، وتزرعُ الفقرَ والحرمانَ، وتدعو إلى الجَهل والطَّاعويّة العَمْياء، ثَارَ على السَّلطة الدِّينية لأنَّها سببٌ في تمزيقِ النَّاس إلى عبيدٍ وأمراءَ وإلى فقراءَ ونُبلاءَ وإلى مؤمنين وزنادقةٍ...ولا يشكّ شاكٌّ في أنَّ النّهضةَ الغربيّة مَرت بعقودٍ من البحث والتّطوير والإلغاء والإثبات، ومَرّت بمراحل مخاضٍ فولادةٍ فاكتمال، أضف إلى ذلك، أنَّ إنتاجَهم الفكريّ والفلسفيّ والتّنويريّ بشكلٍ عامٍّ هو إبداعٌ وابتكارٌ وتجديدٌ ذاتيٌّ وليس تقليداً واتباعاً... ثم يأتي بعضُ هؤلاء الحداثيّين لِيقرأ هذا الأمرَ بِعَيْنٍ واحدةٍ بريئةٍ أو يَقرأه بِعينين خبيثتين، لِيُضلِّلَ على النَّاس، إمَّا بجهلٍ وإمّا بقصدٍ، أنَّ نهضةَ أوروبا والعالم الغربيّ كانت بسببِ محاربته للدِّين وعزْله عن حياتِه المدنيّة عزلًا تاماً، فَيُطلِق حُكْماً كأنّه الوحيُ أنَّ حياتَنا لا تستقيمُ ولن تُقامَ لنا قَائمةٌ، ولن نتقدمَ ونتطورَ إلّا بعدَ أنْ ننسفَ هذا الدِّينَ نَسفاً كُليًّا أو جزئيّا، وذلك بِأنْ نحذوَ حذوَ الغربِ حذو القُذَّةِ بالقُذّة.
وحتى لا يُفَسَّر هذا الكلامُ على غير مُراده، فإنَّه من الحقِّ أنَّ تاريخَنا الفقهيّ والسياسيّ والفكريّ والفلسفيّ لا يخلو من سقطاتٍ وزلَّاتٍ وأخطاءٍ بعضها بسيطٌ وبعضها الآخر جَللٌ وعظيمٌ، ولكن في الوقت عينِهِ، فإنَّ هذه الزلَّات لا تُقَارن بحجم إنْجازاتِنا على جميع المُستويات والأصْعدةِ، وعليه، فَمِنْ غَير المَعقول أنْ ننظرَ لها بِمرايا مُقعَّرةٍ فنحصر تَخلفنا الرّاهن فيها، وفي قضايا الدِّين الفرعيّة لوجود سقطات فقهيةٍ وسياسيةٍ هنا وهناك، أو وجود نكسات تاريخيّة هنا وثمة، أو غير ذلك مما يقع فيه البشرُ بوصفهم كذلك، أيْ: أنَّ طبيعتَهم وسجيتهم الَّتي جُبلوا عليها يَتَخلَّلُها الوَهْمُ والزّللُ والخطأُ وغيرُ ذلك، ولهذا، فمن غيرِ المَعقول أنْ نصبَّ جامّ غضبنا وحَنَقِنا على هذه السّقطات وأنْ نُعلِّق كلَّ مصائبنا ومشاكلنا عليها باعتبارها هي الَّتي أوصلتنا إلى ما نحن فِيه. وعلى الحداثيّين أنْ يعلموا علمَ اليقين أنَّ التّقدم والنّهوضَ لا يكون بالتّقليد والتّبعية لِشيء بيننا وبينه آمادٌ متناقضة وبنًى مُتباينة ومُددٌ متباعدةٌ، بل أساس النّهوضِ والتّحضّرِ هو الإبداعُ الذّاتي والتّفكير المُستقل والبحث الأصِيل لأمّةٍ لها كيانُها وخصوصيُتها زماناً ومكاناً.
إنْ أُريدُ إلّا القول إنَّ ما يَحدث في ساحتِنا الفكريّة والثَّقافيّة والفلسفيّة الرّاهنة والمَعنيّة بالدِّين وفلسفته وتجديد خطابهِ، لا يَمُتّ للإبداع والتجديد بصلة، وليس له علاقة بواقع الأمَّة لا من قريب ولا من بعيد، ولا يُعبِّر عن آمال أهلها وطُموحاتِهم ولا حتى عن أفكارِهم وثقافتهم وسلوكهم، فضلًا عن أنَّه ليسَ بِمتناولِ أيْديهم، فالمُشتغلون به من الحَداثيّين أغلبهم ليسوا من أهل هذا العلمِ، وأعمالهم ونتاجهم متقوقعةٌ في عَالَمِهم ومؤتمراتهم وصالوناتهم، فالأولى لهم أن يبدع كلٌّ في مجاله وتخصصه ويَأتي لَنا بِنظرياتٍ واختراعاتٍ واكتشافاتٍ نتحدى بها الغَربَ فلسفيّاً وفكريّاً وعلميّاً. ويتركوا الدِّين لِأهلهِ من العُلماء المُتنورين والفقهاء الحَصيفين، والمُحدِّثين البَارعِين، فالدِّين بريءٌ من مُصابنا وصِراعاتِنا وظُروفِنا، فمُصابنا في من يستثمر الدِّينَ كأداةٍ لِتمزيقِهِ وتَمزيقِنا معا. وبالنَّتيجةِ، فإنْ بَقِينا هَكذا نجْترُّ ما عِند الغّربِ دون أنْ نُتْعِبَ أنفسَنا وعقولَنا وتفكيرَنا بأيّ شَيءٍ جديدٍ، فإنَّنا بلا ريب، سنبقى نتراجع إلى الخلف أو ندور مكاننا كحجرِ الرّحى، وسنبقى نَحلّ المُشكلةَ الصّغيرة بِمُشكلةٍ أكبرَ، ونَضعُ حلًّا مُعقّداً يحتاجُ إلى حلٍّ أعقدَ منه.
إرسال تعليق