الشاعر أحمد جمال مدني |
افي القَرْيةِ
نَحْنُ
الحُرَّاسُ على الأبوابِ مُضِيفو الأغرابِ
دِنَانُ نَبيذِ
الحَرَّانِ الجَوَّابِ
وَنَحْنُ جِيَادُ
الكَرَمِ الجامِحَةُ
وهَذا الكوبُ هو
الخازِنُ للأسرارِ
من الأفواهِ عَنِ
الأفواهِ
وَنَحْنُ الفُرْصَةُ للعَطْشَانِ على الرَّمْلِ الحامِي السَّانِحَةُ
المَقْصِدُ
للغَاديةِ،
وتَقْصِدُ فَرْعَ
الصَّفْصَافَةِ فَوْقي الرَّائحةُ
وتَغْرِفُ مِنِّي
الجَدَّاتُ لتلطيفِ الجَلْسَةِ وَقْتَ العَصْرِ
معَ العائلةِ
المُلْتَفَّةِ فَوْقَ زَرَابِيٍّ حَوْلَ الأكوابِ
اليَوْمَ أُتِمُّ
العامَ السَّبْعِينَ
وفَخَّاري ما
زَالَ يَلينُ إذا ذَاقَ المَاءَ الدَّفَّاقَ
وأَذْكُرُ
_وَكَأَنَّ اليَوْمَ هُوَ البَارِحَةُ_
النَّاسَ
وأَحْوَالَ النَّاسِ
وأيامًا تتقلَّبُ
كالرَّمْلِ عَلَى الغِرْبَالِ
وكانتْ هذي
الصَّفصافةُ تَحْكِي للبُومِ
الكامِنِ في
الجُمَّيْزَةِ عَنْ جِنِّيَّةِ قَرْيتِنَا
ذاتِ
العَيْنَيْنِ اللامعتيْنِ
وذَاتِ الصَّوْتِ
الرَّنَّانِ
وعَنْ عُشَّاقٍ
تاهوا في عَيْنَيْها
فانجذبوا بحبالِ
السِّحْرِ
وحَزَّتْ
أَعْنَاقَ العُشَّاقِ نِصَالُ العَيْنِ الجارِحَةُ
الجنِّيَّةُ
سَحَرَتْهُمْ لمَّا نادَتْ
ولذلكَ سَمَّاها
النَّاسُ النَّدَّاهَةَ
هذي الصَّفْصافةُ
تَهْذِي أحيانًا
وتُغَنِّي
أحيانًا لِيَمُرَّ اللَّيْلُ
وفي الصُّبْحِ
تظلِّلُنَا مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ اللَّهَّابِ
وكانَتْ تَحْكي
عَنْ أبناءِ العُمْدَةِ
مُنْذُ عُقُودٍ
لمَّا سَرَقُوا بَيْدَرَ قَرْيتِنَا
ثارَ الأُجَرَاءُ
الفُقَرَاءُ وأَلْقَوْا عُمْدَتَهُمْ في السَّاقيةِ
الآنَ العُمْدَةُ
يَمْلِكُ كُلَّ الأرْضِ
ولا بَيْدَرَ، لا
نَوْرَجَ في القريةِ
والأُجَرَاءُ
الفُقَراءُ يُديرونَ السَّاقيةَ لِتَرْوِي أَرْضَ العُمْدَةِ
ظَلَّتْ تَحْكي
زَمَنًا عَنْ أُسْطورةِ شَيْخٍ مَدْفُونٍ تَحْتَ الأَرْضِ
وكيفَ النَّاسُ
أقاموا مَوْلِدَهُ ومَقَامَ الشَّيْخِ
وكَيْفَ انْكَبَّ
مُريدُوهُ لِزيارَتِهِ
كانتْ تَضْحَكُ
وهي تُرَدِّدُ:
لا شَيْخَ ولا
جُثْمَانَ وفارِغَةٌ هذي الأرضُ،
ولكِنَّ النَّاسَ
يُقيمونَ المَوْلِدَ
مِنْ أجْلِ
الفَخْرِ وتَعْطيرِ الذِّكْرِ وجَمْعِ المَالِ
وكانَتْ تَحْكي
عَنْ كَنْزٍ مَدْفونٍ مِنْ آلافِ السَّنَوَاتِ
وعَنْ قَتْلَى
سَقَطُوا لمَّا اقْتَتَلُوا مِنْ أَجْلِ الكَنْزِ
وَظَلَّتْ
تَضْحَكُ وَهْيَ تُرَدِّدُ:
ماتَ الآلافُ ولا
كَنْزَ وفَارِغَةٌ هذي الأرضُ،
وَلَكِنَّ
الذَّهَبَ اللامِعَ قَتَّالُ رِجالٍ
قالَتْ عَنَّا
الصَّفْصافةُ إنَّا مُزْدَوِجُونَ
صُنِعْنا مِنْ
طينِ الجَبَّانَةِ لكِنَّا نَهَبُ النَّاسَ حَيَاةً
نَتشقّقُ مِنْ
حَرِّ الشَّمْسِ إذا غِضْنَا
وإذا فِضْنَا
نُبْعِدُهُ عَنْ زائرِنا السَّآلِ
وكانَتْ هذي
الصَّفْصافةُ تَحْكي عَنْ خَزَّافِ القَرْيَةِ
وَهْوَ يُدِيرُ
الطِّينَ عَلَى النَّارِ لِيَصْنَعَنَا
كَذَّبْتُ
القَوْلَ وَقُلْتُ لِنَفْسِي
آهٍ مِنْ
أَشْجَارِ الصَّفْصافِ
فكيفَ أكذِّبُ
مائي وَأُصَدِّقُ نارَ الخَزَّاف؟
__________
١
يناير ٢٠٢٢
إرسال تعليق