-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

الاستراتيجيات العشر في التعامل مع نتائج جائحة كورونا؟ د. سلطان الخضور


     لا أحد ينكر تأثيرات فيروس كورونا السلبية على الفرد وعلى المجتمع وعلى العالم بأسره، حيث باتت النظرة العامة للفيروس تظهره كأنه وحش كاسر يهاجم العالم. وهذا صحيح نظراً للخسائر البشرية والمادية والمالية التي نتجت عنه, بل هو عملياً أكثر وطأة وأشد بطشاً. فهل يمكننا استخلاص بعض الدروس والعبر والوقوف على بعض الاستراتيجيات التي من الممكن أن تحد من انتشار هذا الفيروس الذي وصل إلى درجة الوباء أو الجائحة؟

نعم هناك ضرورة لأخذ الدروس والعبر التي يجب استخلاصها من انتشار هذا الوباء, وهناك ضرورة لرسم الاستراتيجيات الفردية والجماعية للتخلص من آثارها, والتدرب على التعاطي بناءً على معطياتها مع جوائح مستقبلية قد تحدث لا سمح الله.

أولاً, التغير وعدم الثبات

    إن أول هذه الدروس التي يجب أن نتعلمها, أن العالم وكل فيه من المتغيرات  ولا شيء ثابت فيه، والحياة لا يمكن أن تسير على وتيرة واحدة، والتغير هو السمة الرئيسية الثابتة  لهذا العالم، علينا أن لا نعتمد فيها على منحنى معين، لأن المنحنى العالمي لا يمكن تسطيحه, بل يجب أن نتوقع التغيير الجزئي  أو تغيير الاتجاه في كل حين، وأن نبني استراتيجياتنا على أساس أن مسيرة الحياة هي من المتغيرات وليست من الثوابت، فلا شيء ثابت على هذه الأرض غير حدودها, حتى يابستها ومياهها من المتغيرات, وعليه فإن كل الخطط التي ترسمها الحكومات والمؤسسات والهيئات والاستراتيجيات التي تبنى عليها هذه الخطط, يجب إن تشتمل على خطط  بديلة يمكن تطبقها على مدى أطول مع أنها قد تكون أكثر كلفة, لكنها أصبحت بحكم التجربة ضرورة.

ثانياً. المخزون

وسواءً على صعيد الفرد أو الأسرة أو الدولة, فأنه يجب أن يكون لدى كل منها مخزون استراتيجي احتياطي من الحاجات الرئيسية من التموين والأدوية والمحروقات ومستلزمات تسيير الحياة وتيسيرها, لاستخدامها إذا تقطعت في الناس السبل، فما هو متاح اليوم، أو متاح لفترة محدودة، قد يصبح غير متاح  في زمن ما لسبب أو لآخر, فالعالم كما قلنا متقلب, ولا يمكن ضمانة ثباته حتى عل مستوى الأشهر, فالحروب قد تنشب ما بين لحظة وضحاها، والكوارث الطبيعية لا يمكن التنبؤ بها, لا سيما أن الحكمة غائبة عن بعض الذين يتحكمون بالدول الكبرى التي تمتلك السلاح النووي, وسياسة المصالح لم تعد تمارس بدبلوماسية هادئة, عدا عن الظواهر الطبيعية التي لا يستطيع أحد التكهن بتوقيتها أو التكهن بنتائجها, مع الأخذ بعين الاعتبار الفرق بين الدولة والمؤسسة والأسرة.

ثالثاً, التكافل

    ومن الدروس التي يجب استنتاجها أيضاً, الأيمان بأهمية التكافل الاجتماعي، ونعني بالتكافل أن يشعر الفرد باستمرار أنه جزء من مجتمع، وأن العلاقة بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه هي علاقة تكاملية تشاركية تكافلية, وأنه لا يستطع أن يعيش بمفرده’ فهو للغير كما هو لنفسه, وعليه أن يشعر أنه مثلما له حقوق عليه واجبات، وأن يستقر في ذهنه وقناعاته حسنات العمل الجماعي, وضرورة العمل الاجتماعي , المبني على التعاون والتكامل والمحبة والألفة والتكاتف والتضامن, وهنا يشعر الفرد ليس فقط بأهميته بل بالشعور بالطمأنينة والاستقرار, حينها تقل نسبة الانشغال الذهني بالهم الخاص, ويزداد الاهتمام بالهم العام, ما ينعكس إيجابا على الفرد من جميع النواحي, الصحّيّة والنفسيّة والمالية والبدنية,

      فعلى الفرد أن يدرك أنه جزء من منظومة بشرية اجتماعية، تحكمها أنظمة وقوانين، وأن القيم جزء من هذه المنظومة, فانتشار المرض كما الفقر والغنى وكما الفاقة والتخمة نسبي الضرر، فعلينا التوافق والتكيف مع وضع جديد يقلل الفروقات بين كل متضادين.

 

 

رابعاً, التواضع والمساواة

    كذلك عملت نتائج هذا التفشي على تكريس مبدأي التواضع والمساواة، فانتشار الفيروس ساوى بين الناس فالكل معرض للإصابة, والكل ممكن أن يصبح مريضاً وقد يتعرض بين لحظة وأخرى للموت، فلا ينفعه جاه ولا مال، فلا أحد يمكن أن يشكل حالة استثنائية، أو يعيش في صندوق بعيداً عن احتمالية المرض, وهذا يفرض على الفرد أن يكون متواضعاً, وأن يسعي من موقعه لتحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمعه, لأن التسويف والمماطلة قد لا يمنحان الفرصة للتحقيق عل أرض الواقع, فعلى كل منا أن يبني استراتيجياته على المفاجآت التي قد تصيبه أو تصيب الغير.

خامساً, التطور

     ومن الدروس المستسقاة من هذه الجائحة, أنه يجب على الفرد والمؤسسات أن يواكب كل منهما التطور التكنولوجي, وأن يتكيف مع كل ما هو جديد في العالم الرقمي، فقد وجدنا أنفسنا أننا نحتاج إلى استخدام ما يسمى المحافظ الالكترونية التي لم نعتاد على استخدامها, بالإضافة للكثير من التطبيقات الذكية التي صارت حاجة ملحة في زمن قياسي، وتوظيف التكنولوجيا بات أمراً مهماً وضرورياً علينا التدرب على استخدامه، فقد أصبح هذا الأمر من ضرورات الحياة, فمن الممكن أن يحتاج أحدنا إلى العمل, أو الدراسة, أو التدريس, أو التسوق, أو الاجتماع من المنزل مستخدماً الوسائل الالكترونية, فها هم الناس قابعون في منازلهم أو في المستشفيات، فلا المدارس ولا الجامعات ولا دور العبادة باتت من الممكن الوصول إليها، فصار من الضروري التعلم عن بعد وعبادة الله في المنازل وعن طريق الوقوف إلى جانب الفقراء, ومن لم يعد كل الناس بإمكانهم الوصول لأعمالهم, وممارسة أنشطتهم التي اعتادوها.

     سادساً, الاحتياط  للمستقبل

     حتمت الجائحة على القطاعين العام والخاص تقليل عدد المستخدمين, ما يعني أن الكثيرين من هؤلاء قد فقدوا أعمالهم بشكل تعسفي وفجائي ونسبي, وهذا معناه فقدانهم لمصادر رزقهم, ما يحتم على الجميع أخذ الحيطة والحذر, والاستعداد لمستقبل مجهول الوقت والنتائج, مما يفرض على الفرد محاولة الادخار وعدم التبذير على قاعدة" ضب قرشك الأبيض ليومك الأسود." وهذا له علاقة بالإدارة الأسرية, إذ يجب تعليم الأبناء عدم التبذير, والاشتغال على كل فرد من أفراد الأسرة ليتعلم تنحية الفردية جانباً ويفكر بطريقة جمعية, ليكون منتجاً, موفراً, حريصاً على إيجاد جو من الراحة والطمأنينة لجميع أفراد أسرته ومجتمعه.

    سابعاً, الإنتاج

   هناك الكثير من الأسر لديها مساحات من الأرض تتفاوت في نسبها, هذه الجائحة يجب أن تغير أنماط التفكير الإنتاجي عند الأفراد والجماعات, فالتفكير باستغلال هذه المساحات وزراعتها بالمزروعات التي تراها ضرورة, بالإضافة  للمبادرات الإنتاجية الأخرى كالمشاريع الفردية والأسرية الصغيرة, وهي بالمناسبة قليلة الكلفة, وهذا حتماً سيصب في مصلحة الفرد والجماعة وبالتالي الدولة لما يعود به على الاقتصاد, بالإضافة إلى أن الفرد يتعلم من خلاله تحمل المسؤولية, ويتدرب على الإنتاجية, ويكون حريصاً,  لأنه يبذل مجهوداً يحب أن يرى ثماره على أرض الواقع.

      ونستطيع الإضافة أن الإنتاج يعلم التشاركية, فمن الممكن التعاون بين الأسر التي تملك اليد العاملة وتلك التي تفتقدها, لكنها تملك المساحات التي يمكن استغلالها مما يعود بالفائدة على الطرفين. وهذا الأمر ينسحب على الدول إذ أن هناك العديد من المساحات التي تتبع البلديات أو هي أراضٍ أميرية يمكن للدولة تأجيرها للمواطنين بأثمان زهيدة, لاستصلاحها واستغلالها من قبلهم, وهنا يمكن تطبيق التشاركية على وجهها الأضيق, حيث من الممكن أن يساهم في الإنتاج جميع أفراد الأسرة القادرين على العمل, كل حسب وقته وظروفه.

    ثامناً, الالتزام  

     لكل مجتمع خبراؤه وباحثيه, وهؤلاء إذا تم اتقائهم على أسس موضوعية, هم الذين يقدّرون أكثر من غيرهم حجم الجائحة والطرق والوسائل والأساليب التي يمكن من خلالها التقليل من آثارها السلبية والتغلب أو على الأقل التقليل من هذه الآثار. وهذا يحتم على المواطن ضرورة الالتزام بالقوانين و بالأنظمة والتعليمات, وضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين، فهؤلاء المختصون هم الذين يستطيعون الاطلاع على مجريات الحدث وتجارب الآخرين، وهم الأكثر بحثاً ومعرفة, والأكثر اطلاعاً على ما يجري في هذا العالم، فمصلحة الفرد تقتضي وجوده في مجتمع معافى, بعيداً عن المخاطر والمجازفة بمصلحة الجماعة، وهذا لا يتم دون فهم المعنى الحقيقي لكلمة التزام وتطبيقها عملياً على أرض الواقع لنتجنب المخاطرة والابتعاد عمت يمكن أن يسبب الأذى للآخرين, فقد يكون الحجر المنزلي من الضرورات التي تقلل من الآثار المحتملة للجائحة.

 

تاسعاً, العادات والتقاليد

نستطيع أن نضيف إلى هذه الاستراتيجيات  الحاجة إلى التخلص من بعض العادات الاجتماعية التي تبدو مستحبّة عند البعض لكنها قد تسبب الضرر لهم وللبعض الآخر، وكل مجتمع يعتز بعاداته وتقاليده, لكن هذه العادات والتقاليد قد تصبح من مسببات زيادة آثار الجائحة وانتشار العدوى وأهمها عادة التقبيل في مناسبات الأفراح والأتراح، فمن الناس من يعتبر التقبيل بمناسبة أو بدون مناسبة وسيلة من وسائل التعبير عن المحبة والشوق، علماً أن الأمر ليس كذلك، فاللسان والكلام وتعابير الوجه وما يعرف بلغة الجسد من الوسائل المهمة في التعبير، والمحبة مكانها القلب، ونستطيع في هذا السياق أن نضيف المصافحة غير الضرورية في بعض المواقف، فأحياناً يدخل أحدنا متأخراً على ندوة أو محاضرة أو أي مناسبة, فيكون الجلوس في أول موقع دون مصافحة ودون مقاطعة للمتحدث خير وسيلة للمحافظة على الموقف. أضف إلى ذلك ضرورة ترك مسافة معقولة عند الحديث لأن من الناس سواء مريض أو معافى يخرج رذاذاً عند الحديث، فحتى لا تؤذي الشخص الذي تحب، ابتعد عنه مسافة متر في الوضع الطبيعي ولا داعي الاقتراب الجسدي غير المفروض.

   عاشراً, الصدق وعدم الإنكار

     ونعني به الصدق مع النفس والصدق في التعامل مع الآخرين, فالاعتراف بالمرض أو الإصابة وعدم الإنكار, هو الطريق الأسهل والأقصر للشفاء, وهو من الطرق التي تمنع انتشار المرض وتقلل من احتمالات تفاقمه, خاصة إذا كان الاعتراف في المراحل الأولى, أو حتى عند الشك بالإصابة مما يقطع هذا الشك باليقين ويوفر الكثير من الوقت والجهد والعلاج على أشخاص آخرين كان من الممكن أن تنتقل إليهم العدوى في حالة الإنكار, ويندرج في هذا السياق إنكار وجود المرض من أساسه, وهذا من السهل التيقن منه بالمتابعة ومعرفة تفاصيل الحدث من وسائل الإعلام, فلا يمكن أن تجمع البشرية على أمر كذب, تتخذ الحكومات كل هذه الإجراءات, وتدفع كل هذه التكاليف دون مبرر, ودون الحرص على ذواتها من التعرض للإصابة.

    وقفلة الموضوع تشير إلى أنه لا يمكن التعامل مع جائحة عالمية بشكل فردي, أو بالاستهتار أو الإنكار ودون إتباع التعليمات الصادرة عن المختصين وأصحاب القرار.

 

 

 

 

 

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016