-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

العربية: نحن بقلم الكاتب خليل عودة

 

هناك تبسيط لتشخيص حالة ضعف اللغة العربية يتبعه تبسيط للحلول، فهناك من يعتقد أن إعادة أحياء اللغة في نفوس أهلها يقع على عاتق خطة منهجية للجامعات والمدارس وينتهي الأمر، 

تبسيط مخل لا يسمح لنا أن نرى المشكلة على حقيقتها وعلى خطورتها بل هي أكثر تعقيدا مما نتصور، حيث أن اللغة العربية تختلف عن بقية اللغات في أنها تحمل في ثناياها مشروع الأمة بأكمله؛ الديني، الثقافي السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا الأمر لا نجده في اللغات الأخرى، حيث تم حصر اللغة في جانبها الوظيفي مما جعلها أكثر رشاقة وخفة من حيث ضبط اللغة من نحو وصرف وإرث لا يتجاوز بضع مئات من السنين، 

قد لا يحتاجه أحد  إذا ما استثنينا مراكز البحوث والجامعات على عكس اللغة العربية التي تحمل إرثها ونحوها وصرفها في بطنها والذي يعول كل فرد في هذه الأمة الرجوع إليه وتناوله دون حاجة إلى الاستعانة بأحد، ذلك عندما حملت القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وحافظت على الموروث الشعري الجاهلي حُكمت في محمولها للنص القرآني الديني بل أصبح كل اجتهاد لعلومها لخدمته حتى أنه تم توليد علوم لفهم النص القرآني المقدس والأحاديث النبوية الشريفة عدا عما انبثق من اجتهادات ضابطة للغة لتتوافق مع النصوص المقدسة، 

وهي لا شك أن تلك الاجتهادات أثرت اللغة العربية وفتحت آفاق البحث والدرس والتنقيب غير أنها زادت من حمولة اللغة وثقل المحتوى، ولما كانت الأمة في أوج نشاطها السياسي والعلمي والثقافي في قرونها الأربعة الأولى لم تكن تشعر بثقل وحمولة هذا الإرث لا سيما أن هناك توافقا ما بين النظام السياسي والعلماء والعامة يوازن تلك الحمولة ويعالجها بالاجتهاد والشرح والدرس، حتى مع انهيارت الدولة العباسية واحتلال بغداد لم يمنع اللغة العربية ومن حَمَلَها من غير العرب، ( تلك الدول التي نشأت على مواقع محدودة من الدولة العباسية /الزنكية، الفاطمية والأيوبية) لم يمنعها من استنهاض طاقات علمية وسياسية لإنقاذ الأمة بما تحمل من مكنون محتواها الديني والثقافي المنتشر على أشكال حلق علم في دمشق والقاهرة ومدن أخرى، 

ما يمكن فهمه أن اللغة العربية برجالها وعلمائها و(الذين هم علماء الأمة)كانوا العامل المرجح في إعادة نهضة الأمة والانتصارات التي تلت انهيار الدولة العباسية، ولا ننسى عظيم أثر اللغة العربية على الحضارة العربية الأندلسية التي كانت منارة العالم وجنة الخلد على الأرض بما عرف عنها من انتشار العلم والمكتبات وتجسيره إلى الغرب ولا نجد عبر تاريخنا العربي حالة انتصار واحدة دون أن يكون وراءها فريق من علماء الأمة غير أن الأمة بتمزقها لدويلات فسحت المجال لفقد مناخ الاجتهاد والدرس ودوْر العالِم، لتشتغل في خلافاتها وتناحرها الأمر الذي لا يفلح معه علم وتحول العامة إلى السياسة بدل طلب الرزق وتقرب الخاصة إلى السلطان بدل التقرب إلى الله،  

 

نذر تشي بسقوط سلطان العلماء الذين كانوا يقفون في وجه الحكام وانهيار الأمة وسقوط الحكام فريسة أهوائهم والتحاقهم بأعداء الأمة كيف يمكن لأمة أن تناقش وتنقد أدبها وفكرها بمنهجية ونقد مستورديْن من لغات أخرى بل كيف يمكن أن ندعي أننا نقيم حالة تلاقح ثقافي مع ثقافات أخرى ونحن لا نملك من موروثنا إلا الخلاف والاختلاف وحتى الصراع الدموي الذي عبر من خلاله المستشرق والمستغرب وأنظمة الحكم العالقة في خطاف السفارات الغربية كيف يمكن أن نترك هذا الزخم الهائل من ثقافتنا وعلمنا لنكون على موائد ثقافة وفكر وعلم الغير لدينا من المال إذا صدقت النية ما يسمح بتفريغ علماء الأمة لإعادة تشذيب وتنقية وتطهير موروثنا الديني والتاريخي واللغوي 

اللغة العربية هي نحن؛ ضعفها ضعفنا وضعفنا ضعفا، لا ينفعها ولا ينفعنا اعتماد خطة مدرسية أو جامعية، سنحتاج أن نثق بفكرنا وثقافتنا وتاريخنا لنثق بأنفسنا ولغتنا لهذا لا جدوى من كل الحلول الجزئية إن لم تكن ضمن مشروع نهضوي شامل


إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016