-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

كسرة خبز للكاتب المغربي حسن إبراهيمي


 كسرة خبز   للكاتب المغربي حسن إبراهيمي

بقلم: الناقد الأردني / محمد رمضان الجبور  

  الكتاب صادر عن دار المختار للنشر والتوزيع عام 2018، ويقع في ثمانين صفحة ، وقد ذيّله صاحبه في غلافه الأمامي والظاهر بعبارة ( شذرات أدبية ) بعد أن غاب تجنيس الكتاب ، فهو ليس من جنس الرواية ، أو القصص القصيرة جدا ، أو المقطوعات الشعرية ، ولكن يبقى الأمر لصاحب الكتاب وعلينا أن نحترم رأيه. 

 

عنوان الكتاب يحكي ما فيه (كسرة خبز) فغالباً ما تكوت العتبة الأولى للعمل الأدبي توضح الجزء الأكبر من متن العمل الأدبي ، فما أن نرى مثل هذا العنوان حتى تأخذنا الأفكار إلى ثيمات عديدة ومتنوعة وجميعها تحمل في طياتها الفقر والعوز والظلم والمرض والاستبداد ولكن يظل الوطن هو القاسم الأعظم لكل هذه العناوين ، فالكاتب حسن الإبراهيمي يحمل الوطن في قلبه كما يحمله بين سطوره ، وما يشدّ المتلقي أو القارئ لمتابعة هذه الصفحات القليلة نوعا ما قوة اللغة وجزالتها والتكثيف الحاذق الذي جعل من هذه اللوحات النثرية لوحات فسيفسائية رائعة الجمال " ضحكت الشمس ولم تغلق بابا يأمر بموت الظلام... لم ترتدِ ثياب موسيقى كسؤال الغياب... ولم تجْنح لمشاعر الليل... ولا لبحر تحلل في حسام أغنية تستشرف ميلاد الوطن .  " [1]   

 

اعتمد الكاتب في لوحاته على الجانب الفلسفي ، فجاءت معظم لوحاته تجمل في طياتها العمق الفلسفي الذي يحاكي الحياة بكل تفاصيلها القاسية ، فالحياة في شذرات الإبراهيمي حياة مملوءة بالألم والمعاناة فكسرة الخبز التي تتناوشها الأيدي ولا تكاد تصل إليها تُعبر عن قسوة الحياة والظلم والعبودية " لن يستسلم اغترابي... مهما ابتعدت في منفاي... لن يستسلم لانتصاب المنعرجات... أو لضغط أي انحناء اتقد في كل طريق اتخذته لأنشد حكاية عن اغتراب شمس بلدي لكل طفل يحمل حقيبة مسَد وهو في الطريق إلى ما تشتعل به ذاكرة وطن ليحرر أهله من الطغيان ." [2]

 

المفردات التي استخدمها الكاتب حسن الإبراهيمي يشعر المتلقي أنها قُدت من قيعان حياة مرة ، من معجم لم يحو في داخله إلا الفقر والألم والخوف والجوع ، فتشعر أن الكاتب يبكي ويتألم بعد كل كلمة يخطها لما يرى من حوله  .

 

شذرات الكاتب حسن الإبراهيمي تفرض نفسها على المتلقي ، فهي قادرة على التسلل إلى النفس التي تتوق إلى الحرية والعيش الكريم ، إلى نفي الظلم والقهر عن المقهورين والمهمومين ، تكثر فيها أحلام البسطاء لبناء مدينة أجمل يسودها العدل والمساواة ، أحلام من بحثوا عن كسرة خبز لينتظروا فجراً آخر يعيد لهم إنسانيتهم المهدورة " وإن اجتاح الظلام أرجاء المجرى... لن يمنع الماء من أن يسلم من كل كدر يغدر صفاء الأرض... لن يمنع المجرى من الثبات... ومن استقباله غداء لكل مرحى... ولكل نقاء يفطم حليب الخدعة... مسترشدا بسيل من الأسرار التي تقبع في جحر الزمان... إن الظلام قاعة انتظار لصبح ينشد أغان ستبهر من تخلفوا عن السير خارج الطريق." [3]      

 

الجوع ....والوطن من الثنائيات الضدية لدى الكاتب حسن الإبراهيمي ، وكأن الكاتب يريد أن يرسل رسالة إلى كل الجنس البشري على الكرة الأرضية بأن الجوع والوطن لا يجوز أن يجتمعا ، فالوطن هو الأم والأب والأهل والعشيرة والذكريات ، فكيف لنا أن نجوع في الوطن " انكسر الحلم في بصيص الأمل.. وانكشفت عورة صليل نصل الربيع.. ولم يبق للشمس من ترقص لهم في آخر الشعاع... انتهت المعركة ولم يبق فوق حصير الرماح سوى كسرة حزن وماض عج بالجياع  . " [4]

 

يبقى هذا الكتاب بشذراته الجميلة والعميق والذي سجل فيها الكاتب معاناة الإنسان على هذه الأرض من الكتب التي تستحق التوقف قليلا والنظر في هذه الشذرات الجميلة .

 


[1] (كسرة خبز ) ص 18

[2] كتاب كسرة خبز ص 21

[3] كتاب كسرة خبز ص 25

[4] كتاب كسرة خبز ص 31

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016