"رؤى متعددة" معرض استعادي لفنان البوب آرت الساخر روي ليختنشتاين
المعرض يستعيد أعمال الفنان الأميركي المثير
للجدل والذي كرس جل منجزه للنقد الساخر من محيطه الاستهلاكي.
بروكسل - يستعد
متحف الفنون الجميلة في مدينة مونس البلجيكية لاحتضان معرض يحمل عنوان “رؤى
متعددة” مخصص لأعمال الفنان الراحل روي ليختنشتاين، وهو واحد من أهم فناني حركة
“بوب آرت” في الولايات المتحدة.
ويشمل
هذا المعرض زهاء مئة من الأعمال تضم المطبوعات والمنحوتات والمفروشات واللافتات
والملصقات من ضمن الأكثر رمزية في المشروع الفني للأيقونة الأميركية.
وكان
روي ليختنشتاين قد دخل عالم المشاهير من خلال رسوماته المتحركة الكوميدية (كوميكس)
ونقده لمجتمع الاستهلاك. ومن بين أكثر المواضيع المتناولة في أعماله الآلات
والأوجه النسائية والرسوم المتحركة.
كما
يحتوي المعرض على مجموعة من التقنيات المنجزة على وسائط متنوعة جدا مثل المينا
والسيراميك والزجاج الشبكي، فضلا عن “روليكس” (فيلم تشكيلي يوحي بالتحرك كلما مر
شخص أمامه).
ويعرف
عن الفنان تهجمه المستمر على سياسة التوزيع على نطاق واسع للإنتاج الفني والذي
يعتبره فاقدا للإنسانية.
ويحظى
الحدث بدعم الصندوق الأوروبي للتنمية الإقليمية وقروض ممنوحة من تجار تحف خصوصيين
ومؤسسات مهتمة بالفن.
وتعتبر
أعمال ليختنشتاين مختلفة بعض الشيء عن عادات التلقي في الفن التشكيلي المعاصر.
وتنتمي إلى فن “بوب آرت” وهي حركة فنية نشأت في كل من أميركا وأوروبا في آن واحد في منتصف الخمسينات، وارتبطت بواقعهما الاجتماعي
المعاصر، بحيث لا يسعنا دراسة هذا التيار الفني، ومعرفة غاياته بمعزل عن الخلفية
المتمثلة بوسائل التصوير الفوتوغرافي، ووسائل الدعاية والإعلام.
البوب
آرت فن يعتمد بالأساس على السخرية من الواقع، ويقدم مجموعة من الصور التي تمثل
مجموعة من التقاليد أو الثقافات الشعبية وأحيانا تمثل هذه الصور الإعلانات
والأخبار وغيرها من مجريات أحداث تدور حول ملتقط الصورة، ولكن استحضار الفنان
لمحيطه يكون هدفه نقديا بالأساس أو كشفا لخلل اجتماعي أو سياسي أو فني أو اقتصادي
وغيره من المجالات التي تمكن هذا الفن من تعريتها ونقدها بجرأة وذكاء وبساطة في آن
واحد.
وعبارة “بوب آرت” تعني الفن الشعبي أو الجماهيري وقد استخدمها الناقد الإنجليزي لورانس ألوي لتعريف أعمال جماعة المستقلين من الفنانين الشباب المعارضين للفن اللاشكلي والمطالبين بالعودة إلى مظاهر الحياة الحديثة ووسائل الثقافة الشعبية.
لكن ما يميز “البوب آرت” كما يفهمه الفنان الأميركي روي ليختنشتاين هو استخدام ما هو محتقر، مع الإصرار
على الوسائل الأكثر تداولاً والأقل جمالية في مجال الإعلام، بما يعني ذلك من عودة
على الصعيد الفني، إلى الصورة المستخدمة في وسائل الإعلام، في الصحافة والمجلات
المصورة والتلفزيون. الصورة التي تعكس موقف الفنان الحيادي البارد، في غياب أي
محاولة نقدية قاسية.
ونذكر أن الأميركي روي
ليختنشتاين (27
أكتوبر 1923 – 29 سبتمبر1997) قد تقاسم ريادة موجة الفن الجديد مع كل من آندي
وارهول، وغاسبر جونز، وجيمس روزنكويست وآخرين.
جل أعماله قامت على
المحاكاة الساخرة، حيث يتناول أنماط الإعلانات الشائعة والرسوم الهزلية، وينقد من
خلالها ظواهر مختلفة، حيث سعى من قام منجزه على ما يمكن تسميته بـ"التوثيقية
الساخرة". وعلى خلاف فناني البوب آرت الآخرين المجايلين له، وصف لختنشتاين فن البوب على أنه
"رسم فني صناعي لا رسم فني أميريكي".
وقد استلهم ليختنشتاين كثيرا من أعماله من
القصص المصورة التي تتضمن الحرب والقصص الرومانسية؛ إذ يقول "كنت مهتما بأي
شيء يمكن لي استعماله كموضوع ذي تأثير عاطفي قوي؛ كالحب والحرب أو أي شيء مشحون
بشحنة عاطفية قوية يمكن لها مجابهة أساليب الرسم المنسية والحذرة".
وبأسلوبه المختلف تمكن
روي ليختنشتاين من نحت تجربة فنية فريدة ستظل راسخة في عالم الفن التشكيلي
المعاصر، حيث فتح آفاقا جديدة بين الفن وبيئته ومجتمعه، مبتعدا عن الرومانسيات
اللونية والموضوعية القديمة التي طبعت الفن، نازلا به إلى الشوارع وإلى يوميات
الناس، لا كراصد سلبي، كما هو حال الكثير من الفنانين، بل كناقد له رؤية عميقة في
شتى التفاصيل التي تبدو في ظاهرها عادية.
فكما تندهش الفلسفة من
أكثر الأشياء يومية واعتيادية وتعيد تفكيكها وقراءتها، نجد الفنان أيضا على
مسارها، مجسدا دهشته في خطوط وألوان لا يسمها الهدوء والاستكانة، بل القلق والتوتر
والحفر لإيجاد معان بديلة.
إرسال تعليق