كثيرا ما حاول البعض
رشوة القرّاء، بدسّ عبارات المديح والإطراء، كي يشعر من يقرأ بالنشوة، ومن مثل ذلك
القول الشهير ”القارئ الكريم“. وأعترف أني لم أشعر، ولو لمرّة واحدة، بأن الكاتب،
أيا كان، صادقٌ حين يورد تلك العبارة ”القارئ الكريم“. ولعلّ البعض ينطلق من
تهذيبه ودماثة أخلاقه، ولكن ومع ذلك، يبقى الأمر في إطار الرشوة.
لماذا؟ لأن القارئ في
زمننا هذا، سواء كان يجلس الآن خلف مكتبه في عمله، أو في صالة بيته أمام شاشة
الكمبيوتر، أو يقرأ وهو يتنزّه في الحديقة، لم يعد درويشا بسيطا ”كريما“ كما
يتوهّم الكتاب، بل بات شديد اللؤم ينتقد كل شيء، ويفهم في كل شيء، وهذا حقّه
وحصّته من المعرفة الكونية وسيل المعلومات المتدفّق من كل مكان.
ولهذا برأيي ومن دون أن
يتحسّس أحد، لا بد من مخاطبة ذلك القارئ اللئيم وكسب ودّه، لا الضحك عليه ومحاولة
خداعه.
ويدرك القارئ اللئيم أن
مجال اهتماماته لم يعد محصورا في المادة المكتوبة وحدها، بل هو أيضا قارئ سينما
ودراما تلفزيونية وفن تشكيلي وسياسة وشعر ورواية ومسرح، ولم يعد بوسع أحد من الجيل
الجديد من الممثلين أن يخدعه بتقليد آل باتشينو أو أحمد زكي، بلحظة واحدة يمكنه
العودة إلى أرشيف العمالقة ومقارنة أداء هذا وأداء ذاك. ولن يكون صعبا على القارئ
اللئيم أن يجد جذرا لما يحاكيه هذا الشاعر اللص حين يسرق قصيدة لغيره. ولم يعد
عسيرا على القارئ اللئيم أن يكتشف أن هذا السياسي يستنسخ تجربة أحد الزعماء من هذه
القارة أو تلك، أو خطاباته أو حتى نهجه وفلسفته.
وحين نسلّم بأمر كهذا
معكَ، عزيزي القارئ اللئيم، ستلاحظ انزياحا وتحرّكا في مركز السلطة، من كرسي الحكواتي
الذي يقصّ عليك ليسلبك لبّك، والآمِر الذي يُصدر تعليماته إليك لتنفذها، والفنان
الذي يحاول فتنتك بفنّه، من كل تلك النقاط، إلى نقطة مركزية جديدة هي أنت. وأرجو
ألا تعتقد، عزيزي القارئ اللئيم، أني أحاول رشوتك من جديد، بل على العكس من ذلك،
أحمّلك المسؤولية هذه المرة، فالمركز الجديد سيحتاج المزيد من الثقافة والمزيد من
الاطلاع على اللغة والوفير من الحرية في التفكير وهو يتفاعل مع ما يصدره هؤلاء
المساكين المذكورون ويرسلونه إليك.
أصبح القارئ اللئيم هو السيّد الآن، وراحت تنطبق عليه الحكمة الصينية التي تقول “لا تثق باللئيم إذا تبسّم لك”. واليوم على المُنتِج أن يدبّر رأسه. انتهى زمن السحرة والحواة وسائر الكشتبانجية وكشاشي الحمام.
إرسال تعليق