إشهار ( أحزان الفصول الأربعة" لنضال القاسم
لفتت الناقدة
د. ليندا عبيد في ورقتها التي قدمتها مساء أول من أمس، في حفل إشهار ديوان "
أحزان الفصول الأربعة" للشاعر نضال القاسم، إلى أن الشاعر في بحثه عن
ذاته وهويته وكينونته ووطنه في فضاءات الاغتراب العقيمة التي لا تنجب سلاما داخليا
يتحرك ضمن زمنين: زمن الأب الماضي وما به من دفء وحياة حيث كان الوطن حاضرا، وزمن
الابن الذي يمثله زمن الهزيمة والخيانة والاغتراب، فيما اعتبر الناقد د. سلطان
الخضور في ورقته أن القاسم جعل من دورة الحياة المتمثلة بالفصول الأربعة. بخريفها
وشتائها وربيعها وصيفها, دورة تتشح بالحزن.
جاء ذلك
في الحفل الذي نظمه فرع رابطة الكتاب الأردنيين بإربد، بالتعاون مع ملتقى إربد
الثقافي، وسط حضور جماهيري لافت، ورعى مفرداته مدير ثقافة إربد الشاعر عاقل
الخوالدة، واستُهل بتقديم الشاعر القاسم لشهادته الإبداعية التي جاءت تحت عنوان
" الشعر والأسئلة الكبرى".
الشعر والأسئلة الكبرى
الشاعر القاسم لفت في الحفل الذي أدار مفرداته
الروائي د. حسين العمري، إلى أنه لم يدرك أن الشعر طريقه الأول إلا في عام 1993،
أما قبل هذا العام فقد كان مشغولا بأشياء كثيرة، وكانت تنازعه رغبات عدة في أن
يكون قاصا أو روائيا أو كاتبا مسرحيا، ولكن في هذا العام تحددت رغبته الأدبية كما
يوضح، فارتبطت بالشعر، وكان ذلك كافياً ليرتبط وجوده بهذا الغامض الآسر.
واعترف بأن تجربته في الفترة الأولى كانت مشدودة
إلى التراث، وكانت ظلاله تحيط به، في كل قصيدة يكتبها، ولكنه ما لبث أن انفتح على
عوالم جديدة عندما أخذ يطالع بشغف الآداب الأجنبية، وشعراء الغرب الكبار، وكان
لهذه القراءات فيما بعد أثر عاصف في تشكيل وعيه وتطوير أدواته الإبداعية.
وخلص الشاعر القاسم في ورقته إلى أن ما قدمه حول الملامح
الأساسية القلقة والحائرة والتي ما زالت عالقة في خزائن الذاكرة، وتسري في العروق
مدججة بالأشواك، ما زالت بحاجة إلى هتاف عميق في إطار غنائي حزين مقهور حتى يصل
صداها من حافة السراب إلى تضاريس المكان المشتهى.
قضايا حداثية مضمونية
من جهتها قدمت الناقدة د. ليندا عبيد
ورقة تناولت فيها ديوان القاسم وقوفا عند التجديد وجمالية البناء الفني،
ومحاولة الذات الشاعرة البحث عن هويتها وكينونتها في ظل غياب الفضاء المكاني الأول
الممثل بالوطن فالذات تحيا زمن الاغتراب والتشظيات والانكسار والهزيمة، وتمر
بدوائر متعددة من المعاناة والتيه.
وأكدت أن الديوان يأتي ليؤرخ لإحساس المبدع
والمثقف الفلسطيني الذي يحيا أزمة الشتات والاغتراب، دون أن يقع في أسر المباشرة
والأيديولوجيا، بل ينطلق من ذلك إلى الواقع العربي، والأفق الإنساني الرحيب، فنراه
يعبر دوائر التيه بحثا عن هويته وعالمه الأول محاولة منه للتنفس والانعتاق من أسر
الاغتراب والمنفى والهزيمة.
ووقفت عند لغة الديوان وما بها من تجديد وحداثة،
إذ تنثال التداعيات اللغوية والمجازات الطازجة، وتراسل الحواس، ولعبة الضمائر،
والحوارات والمونولوجات الطويلة والقصيرة، وجمالية التصوير، والبراعة في خلق
الكثافة الشعرية، التي يطل منها تملك الشاعر لأدواته، وامتلاكه لمخزون ثقافي وأدبي
رفيع يمزج بين رزانة الموروث وبين لذة الحداثة وتقنياتها، ضمن حفاوة واضحة
بالتفاصيل.
وأوضحت أن الديوان يحتفي بالطبيعة وجمالها
وتفاصيلها في محاولته لخلق ملاذات بديلة للوطن بالتأريخ إلى أمكنة جديدة تظل في
دائرة اللامتعذر واللاممكن رغم ما يتخلق بها من حيوات تظل عقيمة لا تنجب لأنها من
تشكيل ثقافي ونفسي مختلف لا يستطيع احتواء عذابات الشاعر، التي تتأتى من انشغال
بهموم ومعاناة لا تعني شيئا للآخر الغريب.
وتناولت مرجعياته الثقافية المتنوعة، واتكائه على
الأساطير اليونانية، والمرجعيات الدينية والتاريخية والغناء الشعبي والأمثال،
والجغرافيا المختلفة. إلى ذلك قامت بتحليل تفصيلي لبعض القصائد مثل قصيدة أوديسيوس
للتمثيل على جمالية التكتيك والبناء الفني عند القاسم في تخليق نصوصه.
وتحدثت الناقدة د. عبيد بشكل تفصيلي عن التجديد
المطل من قصيدة "ميدوري" التي تشكل قلب الديوان لتمثل القصيدة القصة
والقصة القصيدة، إذ يوظف السرد في نسج قصيدته النثرية التي تشكل قصة الحب بها
إطارا للتأريخ لهموم الوطن العربي عموما وفلسطين خصوصا وانتهاء لما يعانيه الإنسان
المعاصر من قهر الرأسمالية الحديثة.
القاسم يترافع أمام
"ميدوري"
ومن جانبه أكد الناقد د. سلطان الخضور في
ورقته أن القاسم يستحضر في أغلب قصائد الديوان (فلسطين) التي ينظر إليه من خلال
مفرداته كطائر جريح يحتاج إلى من يقدم له العلاج, ليخرج من بوتقة الألم. يحتاج إلى
من يضمد جراحه ويضفي على جناحيه شيئاً من الأمل, ليحلق من جديد في فضاءات هذا
الكون الفسيح ويستمتع بها مع غيره من الطيور التي تحلق بلا قيود وبلا جراح.
واعتبر أن
من يقرأ الديوان يلمس سهولة عاطفة الشوق والحنين للوطن عند القاسم, فهو يستمطر في
ديوانه المذكور عاطفة الحب للوطن الجريح, ويستدرج مفردات تاريخية وجغرافية وتراثية
وروائية تعكس الحق المسلوب والفلسطيني المصلوب على خشبة القهر والظلم والمقيد
بحبال استلاب هذا الحق, كجزء من العالم العربي الذي تكسوه الهموم.
وأشار الناقد الخضور إلى أن الشاعر لم يكن يريد أن
يتحدث عن شأنه الخاص, وأنه لم يعد معنياً بما له علاقة بالأهل والأصدقاء, فهناك
قضايا كبيرة تحتاج إلى من يتذكرها فيذكرها على الأقل أمام شخص ولو كان لا يملك إلا
حسن الإصغاء, ولا يملك الحل وقد لا يكون معنياً بهذه القضايا التي تؤرق نفس
الشاعر, لكن النفس فيها اعتلال، وفيها اعتمال في جروح غير ظاهرة لكنها محبوسة,
ربما وجدت فرصتها في لقاء ميدوري.
وفي نهاية حفل الإشهار قرأ القاسم قصيدة "
ميدوري" التي أخذت حيزاً واسعاً في دراسة الخضور، حيث يقول المحتفى بديوانه:
" كان صوتك عذباً
يوقظ الربيع في شفاه الأودية
يهبط من ذرى الإيقاع
لثغة لثغة ينساب(أو - ها- يو)
يندف فوق الرؤوس
يموج بالحياة من كل جدب وصوب
مترنماً أصغي له مع كل آه"
إرسال تعليق