اعتبر الشاعر د. حسام العفوري، أن موضوع أثر الانشراح والضيق في إنتاج الكلام، يعد حلقة متصلة من حلقات البحث العلمي التي تسعى إلى خدمة النص القرآني، في محاولة منه لكشف أسرار التعبير القرآني وفهمها، من حيث دراسة ظاهرة الانشراح والضيق في السياق القرآني، وعلاقتها بآلية النطق في إنتاج الأصوات اللغوية عبر منظومتي اللغة والكلام.
ولفت النظر في المحاضرة التي نظمها ملتقى إربد الثقافي، مساء أول من أمس، بالتعاون مع فرع " كتّاب إربد"، وأدار محاورها القاص د. حسين العمري، إلى أنّ الناظر إلى كلمتي "الشرح والضيق" في المعجم اللغوي، سيجد في الأولى معنى الفتح، والبيان، والحفظ، والفهم، والسعة، والكشف، والوضوح، وفي الثانية معنى الفقر، والبخل، والشك في القلب، ونقيض السّعة في خُلُق، أو مكان، معتبراً أن هاتين الكلمتين تدخلان في باب الضدية في اللغة، وعند الوقوف على وجودهما في النص القرآني، سيجد القارئ كيف أنّ الحالات المقامية والسياقية تتساوق مع إنتاج الكلام، لتعبر عنه تعبيراً دقيقاً في موقف ما، وضمن زمان ومكان متحدين، أو غير متحدين، نتيجة انشراح الصدر وضيقه بالحالة النَّفْسيَّة التي يكون عليها المتحدّث.
وتتبع آلية النطق في إنتاج الأصوات اللغوية عبر منظومتي اللغة والكلام، والتي تتكون من ثلاثة مستويات، هي: المستوى الصوتي، والمستوى الصرفي، والمستوى النحوي، وهذه المستويات مجتمعة ضمن عملياتها التراكبية تتصل في صياغة الكلام بعضه ببعض، لتكون مستويات لغوية أخرى مكملة لها، هي: المستوى (الدلالي، والبلاغي، والمعجمي، والكتابي).
وحول إنتاج الكلام والنص القرآني بين د. العفوري إن إنتاج الأصوات اللغوية، يتم بخروج الزفير من الرئتين مروراً بالحنجرة من بين الوتريين الصوتيين، فوظيفة الوترين الصوتيين تنظيم خروج تيار الهواء الذي هو عنصر أساسي لإنتاج الصوت سواء أكان لغوياً، أم غير لغوي، وهذا التيار الذي يصاحب عملية إنتاج الصوت، ذو دور أساسي في إنتاج الصوت، في عمليات ميكانيكية النطق.
وقال لا فرق بين آلية النطق في إنتاج الأصوات اللغوية، أو غير اللغوية المنطوقة، أو المسموعة، وبين تلك الأصوات التي ترتبط بالحالة النَّفْسيَّة والعمليات العقليَّة التي تجري في ذهن المتكلم قبل الكلام، أو أثنائه، وفي ذهن السامع عند سماعه للكلام، وما ينبثق منها من تفكير، أو حديث نفس فيما يقال، أو يسمع، سوى في المدة الزمنية وكمية الهواء اللازم لإنشاء الكلام ذهنياً ومنطوقاً.
وأضاف أن المرء يجد أن الفصاحة، وشرح الصدر، وإطلاق اللسان، يتكون منها سلامة النطق والمنطق، واستعمال المجاملة، واللطف والرفق واللين والأدب الجميل، والخلق الحسن في التعامل مع الآخرين في المواقف المختلفة، مبيّناً أن الفصاحة "يوصف بها ثلاثة أشياء: الكلمة والكلام، والمتكلِّم." أما في ضيق الصدر، وعقدة اللسان، وعدم الإبانة، تخرج الإنسان من سلامة النطق والمنطق.
وخلص د. العفوري إلى أن
كثيراً من الكلمات والعبارات والجمل، حين إنتاجها تتشكل حسب المقام ومقتضى الحال
في فهم سياق الرسالة، التي يريد المتكلم أن يوصلها إلى المستمع، وأن الحالة
النَّفْسيَّة عند المتكلم، تقوده إلى إنتاج الكلام في سياقه الزماني والمكاني،
وخاصة عند خروج المتكلم من بيئة الحدث (الزمان والمكان) إلى بيئة أخرى مختلفة في
زمانها ومكانها، وأن أساليب إنتاج الكلام تقوم على أساس تراكبية الكلام وتداخله في
تكوين رسالة لها معنى، وفي ذات الوقت، قد تكون حاضرة في ذهن المتكلم، وأن أساليب
البلاغة العربية تقوم على أساس استقبال الكلام، وتكون في بعض الأحيان خالية في ذهن
المتلقي، في حين أن هذا الكلام قد صدر من المتكلم ضمن رسالة موجهة، في سبيل وصولها
للمستمع، فإما أن تصل متطابقة في معناها ومصطلحها ومفهومها، وإما تكون مخالفة
لذلك، وأن الحوار في النص القرآني بسط الكلام على الموقف والسياق، خاصة بين موسى
وهارون، لذا، كانت الكلمات تنم عن حالة نفسية استأثرت عليهما، وتمكنت منهما، فظهر
الغضب والأسف وما يحتويه من مشاعر وأحاسيس في لغة الخطاب، وتأثره بالحالة النّفسية
بينهما، ساعة إنتاج الكلام.
__________
إرسال تعليق