عمـــر أبو الهيجاء |
"إلى الشهيد عمر أبو ليلى"
على مرأى الحالمينَ/
كان يضبطُ الوقتَ على
خاصرةِ الأرضِ
يفتحُ بابا للموسيقى في
شقوقِ الكفينِ
دمهُ يتوهجُ على شفةِ
الترابِ
ويقول: الآن.. ابتدأتْ
الرحلةُ الأخيرةُ
بعدَ أكثر من عشرين خريفا
ابتدأتْ
حيثُ تساقطِ أوراقِ
الزيتون.
كانَ يعرفُ أحوال القرى
والمدن النائمة على سريرِ
الريح
كان يعرفُ أيامه المبتلة
بدمعٍ جسورٍ
وكان يمرُّ مثل ضوء على
مطر المنازل
يمرُّ كثيرا ولم ينم في
العتمة.
على مرأى الحالمينَ/
أسرج وجهَهُ
خُيولا صاهلةً في مرمى
الشمس
ولم يُغَالبْهُ النعاسُ
ولا الركض خلفَ فراشاتِ
السهولِ
فاستل جمرة الروح من
ظلمةِ الليلِ
ومضى راقصا صوبَ البلاد.
كلُّ الفُصولِ والطبولِ..
لَهُ
حصة الدرس حتى آخر
الحلم.. لهُ
دَمُهُ ريحٌ
صوتهُ تسابيحُ العصافيرِ
واسمهُ سرُّ الفيضانِ
خطُ استواءٍ في أولِ سورة
الغيمِ
سورةٌ تنزّلت على فمِ
الأيامِ
دَمُهُ تراتيلُ أمٍ
صلاةُ الضحى في المحرابِ
دَمُهُ رعدٌ على الطرقاتِ
دَمُهُ عالٍ في الترابِ
ودفترِ الصادعينَ لقدسيةِ
الحياة.
"ما اسمهُ حبيبي"
قالتْ امرأةٌ خلفَ
السياجِ
هو ذا عُمر
يستل قلبه المفخخ.. ويعلو
كانَ طيرا في رؤوسِ
الجبالِ
يُحاورُ حجارةَ البيوتِ
العتيقةِ.. ويعلو
خطواته تعزفُ لحنَ
المنفيينَ
ودَمُهُ رعدٌ
راياتٌ
أسئلةٌ تقرص
خدَّ النائمينَ
وميض برق في سلّةِ الوطنِ
الذبيحِ
هو ذا عُمر
يُطلقُ روحهُ في سواحلِ
الرمادِ
ويفيضُ كبحر راقصٍ في
الهضابِ
هو ذا عُمر
أبجديةٌ أُخرى للحُلمِ
رمحٌ في الجبينِ
ورمحٌ في صقيعِ السلامْ
وحدهُ كانَ ينقشُ اسمه في
السماءِ
ينقشهُ على أجسادنا
المريضةِ بالخطايا
أيا عُمر../
المسافةُ بينكَ وبينَ من
حرثوا
تربةَ البلادِ ..
شهيدٌ
جُرحٌ
وحلمٌ نام طويلا في حروفِ
الغيابِ
ها أنتَ تبدأُ الرحلةَ
الآنْ
وما زلنا نشمُّ رائحةَ
الدمِ
في مراسيمِ الولادة.
على مرأى الحالمينَ/
ومُذْ أسلمتَنا مفاتيحَ
القلبِ
تأملت قمصانك المقدودة في
خزانةِ الليلِ
وقُلتَ: ليلٌ لم يزلْ
يَفردُ ريشَهُ على عباءةِ العشبِ
ليلٌ يرقدُ على شرفةِ
القهرِ
على وترِ الناي الحزين
تحتَ إبطِ الكونِ المريضِ
وأنت يا عُمر
تسنَّ الأسئلة في زحمةِ
المتساقطين
تمتحنُ بهجةَ الرصاصِ
لمّا يُزغرِدُ بينَ يديكَ
هكذا مرة أُخرى
رُحتَ تخطُ على جبهةِ
الخيولِ
أسماءَ من رحلوا من
أجدادكِ الكنعانيينَ
لم يُزاحِمْكَ في المكانِ
أحدٌ
كُنتَ وحدكَ
تهبُ النارَ مُوسيقاها
وتفتحُ في عُزلةِ
الكائناتِ
دفاترِ الرغبةِ في
الطيرانِ
لا..لم يُزَاحِمْك في
المكانِ أحدٌ
عاجلتَ ذِئابَ الوقتِ
بالفكرةِ الثائرة
رأيناك يا أبا ليلى تهتفُ
هذا الشجرُ لي.. و يعرفني
لا تَقلقْ عليَّ يا وطني
عتبي عليهم
لكَ طائرُ البرقِ
على أغصانِ السماءِ
يُمطِرُ
للدمِ حِكمتَهُ
وللموتِ هيبتهُ
وما بينَ غُبارِ الشمسِ
والدمِ
رسائل للريحِ
رسائل تسندُ قامةَ
الفدائيِّ
في آخرِ البيوتِ
وأنتَ ضوء النشيدِ
دليلُ البوحِ
غناءُ الفقراءِ في
ارتيادِ الحقيقةِ
هيئةُ الأسئلةِ العالقةِ
في اكتمالِ الصحوِ
خيطُ ضوءٍ على كتفِ
النهارِ
ماذا نحفظُ من رقصةِ
الأطفالِ
في ميادينِ الطينِ في
الخيامِ؟
وكلُّ الأصابعِ تُشيرُ
إلى أسمائِنا في ضبابِ
الأمكنةِ
وهذا العراءِ المقيمُ
لا تقلقْ عليَّ يا وطني
عتبي عليهم
هكذا تساءلتَ: ومضيتَ
تاركا أيامك
طليقةً في اخضرارِ الذكرى
وثيابك مبللة في الجبِّ
وبالقربِ منك عشيرة الدم
تمرُّ
ولم تنتبه
دمك حرٌّ يمضي
مررتَ حاملا بينَ يديكَ
قلبا
ورؤىً مهدتَ لها كلَّ هذا
السبيلْ
رأيتَ صور العائلةِ
مصلوبةً على حطبِ المنافي
ولم تنمْ على الجرحِ
طويلا
وقلتَ: اغفر لي يا دمي
كي أمشي في احتفالِ من
سبقوني
إلى شاهدةِ الترابِ
وأحاورُ الداخلين لسمو
الانبعاث
وأعلو ..أعلو
أعلو بكتابي.
على مرأى الحالمينَ/
وأنتَ تَسكُنكَ الأرضُ
هاجسُ العشقِ والشهادةِ
سرقتَ القلوبَ
هيأتَ لنا
سرير السماء
وقُلتَ: من يهزُّ الشجرَ
الغافي
في تضاريسِ هذي الوجوه
كُنتَ تعرفُ ذاتَ دمعٍ
معتقٍ في الخوابي
أن الخرابَ يَتدحرجُ
ككرةِ ثلجٍ في العيونِ
المالحةِ
لم يُشبهك أحدٌ في المعنى
كُنتَ أنت.. مِثلما أنتَ
فلسفةَ جمرٍ استوطنَ في
عروقِ الكلامِ
زيتا للريحِ
في براءة الطفولة
ومفتاحا لمعنى الاختلافِ
والصعودْ
بعد قليلا نرتبُ النشيدَ
لمطالع النجومْ.
قالت أمك.. ونزفكَ للضوءِ
لميجنا الحقولِ
فما زالَ يمرُّ بنا
كلُّ نزفٍ والقلبُ عارٍ
من الوردِ
ها أنتَ تركضُ.. تركض
خطوكَ يسبقكَ في أعالي
الجهات
زادك الفجرُ
لغة الزلزلة
ولم يُغَالِبكَ النعاسُ
تعرفُ يقظةَ الرمادِ تحتَ
الجمرِ
أولُ الرصاصِ.. أنتَ
وأولُ العناقِ
في مدن الهداية
نص جميل
ردحذف