-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

رمزي الغزوي يكتب عن جميلات قرون الفول


رمزي الغزوي يكتب عن: جميلات قرون الفول


أصابع الربيع تجعله عريساً، يتيه بدحنونه المجنون، ويسمو بأقحوانه الرائق، ويصفو بصفصافه الرؤوم: فهل ننصت مفعمين بالدهشة والحنين، إلى وقع قلوبنا الراهفة، إذا يممنا شطر وادي الطواحين. هل ننصت؟!.

على أكتاف هذا الوادي، ما تزال بعض طواحين الماء شاهدة، تصارع فلول الزمن المنساب، وتنتصب بخجلٍ وحزن، وكأنها تلوك الهواء اشتياقاً، لأيام كان القمح بهجة حجارتها ورحاها، أيام خبز (الطابون) وأفران الحطب، والنسوة الطيبات اللواتي يسابقن بواكير الفجر؛ كي يلاحقن حياة قاسية وجميلة، بكل ما في الدنيا من صبر وحب!.


ونحن نحب القمح حباً جماً، نحبه مهما كان وصار، لكننا لا نرتاح للعشب اليابس كالهشيم، حتى لو كان مجدولاً من ذهب: فيا عين الشمس تمهلي، ولا تتعجلي بلهيبك علينا، وتريثي شهراً، أو بعض شهر، فما زلنا نتهجى أولى لثغات الزهر، وعبير الورد. أيتها الشمس تحنني علينا قليلاً، ولا تسوطينا بلهيب حرك، لتشوي قامات ربيعنا الندية


وكحال الأشياء الجميلة، قصير جداً هذا الربيع!، إنه ينعة، وكل ينعة إلى إحشاف (جفاف)، الربيع كالعمر تماماً، يفرُّ من بين فروج الأصابع كالماء، فماذا لو نحفن لظمئنا، ونشرب شرب الهيم، فهل يرتوي الحبيب من ريق الحبيب؟!.


لا عليكم حتى ولو قست الشمس ببعض سياطها، ونالت من بعض خضرة وادينا، فما زال فيه ما يدهش وينعش: أشجار الحور المياسة المتمايلة على وقع خرير الماء الرقراق، ودغدغات النسيم. وأشجار البلوط النازلة من كتف الجبل برعالها الفاتن (خضرتها الجديدة اليانعة)، وكأنها تراقص العصافير التي قد أوشكت أعشاشها على النضوج.


يتعرج وادي الطواحين من عجلون إلى كفرنجة، يرضع بصمت من أثداء الينابيع النافرة في خاصرة الجبل، بدء من عين (أبو الجود)، وعين (الفوَّار) في عين جنا، مروراً بعين القنطرة، و(العافية) وفلاح، وهذا الوادي ما تزل طواحين القمح المتآكلة على جنياته تشهد على قصة عناء الإنسان مع لقمة العيش.


إن زرت الوادي وركنت سيارتك قرب شجرة صفصاف، بدأت للتو تأخذ ثوب خضرتها، قد يشدك منظر صبايا يافعات زائرات، في حقل فول أخضر يداعبن طيف عريس الربيع!، قد يوقفك المشهد، فتهمهم في نفسك شعراً: (الجميلات المبلولات على حبل الوادي/ يتراشقن بقرون الفول/ يفزعن القلب كغول/ يُقرئن الغمزات لمرايا السيارت/ في الماء تهوي الصغرى/ والكبرى تخشى أن يفرَّ/ حمامُ القميص/ فتغزل شركاً لحلمٍ/ فالوادي عريس).

___________

عن صفحة القاص الشخصية ( فيس بوك)

 

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016