الأدب الجيد هو الذي يحدث المتعة في التلقي، فتشده اللغة، الشكل الذي قدم به العمل، الموضوع المطرح الذي يقودنا إلى زمن الأحداث، عنوان المجموعة "الكوخ" يشير إلى العزلة/ الفقر، وهذا له علاقة بحالة الفلسطيني بعد الهجرة التي اجبر عالها عام 1948، وهنا ننوه إلى أن المخيم يتشكل من مجموعة أبنية تفتقد لأدنى مقومات الحياة السكنية، فالسقوف لا تحمي من حرارة الشمس الحارقة، ولا من المطر المتساقط، يضاف إلى ذلك (قلة الحيلة) لمعالجة وإصلاح هذه السقوف، مما يزيد من الألم الواقع على ساكنيه المخيم.
يضاف إلى ذلك أن الواقع البائس جاء
بعد حياة مترعة بالهناء والراحة، وهذا ما زاد من قسوة الحال، فمن السهل التنعم
بالحياة بعد شقاء، لكن من الصعب حدوث الشقاء بعد هناء، هذا الواقع تم رصده في قصة
العنوان "الكوخ" التي افتتح بها القاص المجموعة، وهذا ما جعل القصة قاسية
المضمون، مما ترتب على القصاص إيجاد مخففات تسهل على المتلقي تناول القصة
والمجموعة القصصية، فكانت اللغة الأدبية الناعمة أحدى وسائل التخفيف: "وقد
دارت في رأسها خيالات وأفكار سرحتها في آفاق بعيدة... إلى تلك القرية المزروعة في
سفح واد من وديان فلسطين، وإلى ذلك البيت البسيط في الطرف الغربي منها، وتلك
الطريق المعشوشبة دائما والتي تؤدي إلى رأس النبع في أعلى الوادي... طالما سارت
بها لتملأ الجرار أو تغسل الثياب" ص4، ا للافت في هذا المقطع تخفيفه على بطلة
القصة وعلى المتلقي في آنا واحد، فكلاهما وجد المتعة، السعادة في تلك الذكريات،
وبهذا يكون القاص قد أوصل جمال/ هناء فلسطين للمتلقي بصورة غير مباشرة، من خلال
أحداث القصة،.
في قصة "الناس والبحر"
يقدمنا القاص من أدب الحيوان من خلال أحداث تجري لسمكتين حاولتا الاستعانة بسمكة
كبيرة لتنقلهما إلى مكان آمن، في البداية تطلب منهما التعلق بذيلها، لكن ما أن
تهزه حتى تندفعان بعيدا عن السمكة الكبيرة، فتطلب منهما الدخول إلى فمها حيث
يمكنهما البقاء في أمان، لكن هذا الطلب ما هو إلا خدعة/ طريقة لإقناع الضحيتين بأن
الأمن والأمان والسلامة تكمن في جوف القوي/ الكبير، وبعد دخولهما، تبدأ عملية
(هضمهما) لكن أحدى السمكتين تتشبث بأسنانها بأمعاء السمكة الكبيرة وهذا يؤدي إلى
تمزيقها من الداخل، لتخرج ورفيقتها من موت محتم.
اللافت في القصة الرمزية التي
تحملها، فالاستعانة بقوي تعني ابتلاع القوي لمن استعانة به، وهذه الفكرة أكدها
"ميكافيلي في كتابه "الأمير": الاستعانة بدولة قوية يعني ابتلاع
تلك الدولة القوية للإمارة، والاستعانة بمرتزقة يعني تخريب الأمارة" فالقاص
في هذه القصة يقودنا إلى نتائج الثورة العربية الكبرى، وكيف أن استعانة العرب
الضعفاء بالغرب القوى أدى إلى ابتلاع الغرب للمنطقة العربية بكاملها، وما نعيشه
الآن من بؤس وتجزئة وتشرذم ما هو إلا ناتج عن ذلك (التحالف).
قصة "النجاة" يتحدث فيها
القاص عن أهمية الإرادة في الوصول للهدف، رغم ضخامة التضحيات، فنجده يستعين بقصة
"إرنست همنغوي" الشيخ والبحر" اللافت في هذه القصة أنها جاءت على
لسان امرأة، وكأن القاص يقول إن الأدب هو وسيلة تعبئة القارئ ـ إن كان رجلا أم
امرأة ـ بالقوة/ الأفكار/ المعنويات، فظهرت ساردة القصة في الخاتمة بهذا الحال:
"وكنت أشعر بأن شيخ البحر قد استقر فتيا في أعماقي" ص44، وبهذا يكون
القاص قد قدمنا من قصة عالمية وعرفنا عليها، كما أعادة إنتاجها بصيغة قصة عربية
وبصوت امرأة، كتأكيد على أن الأدب يخدم كل البشر/ الناس بصرف النظر عن جنسهم
وجنسيتهم وأماكن تواجدهم.
إذا ما توقفنا عند القصص السابقة،
نجد أن القاص استخدم القص الخارجي/ العلمي في "الكوخ، الناس والبحر"
وأنا القاص في "الطيور المهاجرة" ونلاحظ أنه لم يسم أبطال القصص وجعلها
غير معرفة، لكن في بقية القصص "الطيور المهاجرة" بدأ يسمي الشخصيات،
فبدا القاص وكأنه قرر أن يكون أبطال قصصه شخصيات (معروفة) للقارئ فسماها لنا، كما
نجده يركز على المرأة/ الأنثى في أكثر من قصة، وهذا يشير إلى قناعة القاص بدور
المرأة وفاعليتها في الحياة، فقصة "الطيور المهاجرة تحدث فيها عن انتحار
فتاة، كإشارة إلى قسوة المجتمع على الأنثى/ المرأة التي يتعامل معها من منطق سادي/
ذكوري.
قصة "مشوار" جاءت على
شكل خواطر/ مشاعر أكثر من كونها قصة، فركز القاص على رسم الإحساس أكثر من تناوله
لأحداث: "الشارع يلهث من لفح الشمس...في هذه المدينة شوارع سوداء، تدوسها
عربات وسيارات" 85 و86.
في قصة "المشبوه
والذئاب" يتناول فساد العلاقات الاجتماعية القائمة على المصلحة المادية، فهي
قصة اجتماعية بامتياز.
آخر قصة في المجموعة
"القنبلة" قصة المقاومة، لكن طريقة إنهاء القصة جاءت (مستعجلة) فبدت
نهايتها غير مكتملة، وكان يمكن إضافة المزيد من الأحداث إلى القصة لتكون أكثر
إمتاعا وجمالا.
وإذا عودنا إلى أول قصة
"الكوخ" التي تتحدث عن اللجوء والموت في الخيام، وربطناها بخاتمة
المجموعة "القنبلة" نصل إلى طرفي الخيط الذي يربط المجموعة، اللجوء/
التشرد/ هجرة الوطن مكرها، تؤدي إلى المقاومة.
المجموعة من منشورات اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، عمان/ الأردن، الطبعة الأولى 2002.
إرسال تعليق