" وحدك الآن تحمل شمس البطولةِ
والمرجفونَ على عتبة البيتِ يمضون ليلًا
طويلًا
وهم يرقصون (ك) نجوى
وحدك الآن تغزو الجهاتِ، هنا
وهناك،
وهم
طارئونَ
فلا ضيرَ
أنت النبيّ الذي جاء في
رقصةٍ سوف تُروى
تقول إذا ما اقتنصت العدوَّ، هنا، ولّعتْ
واستدرتَ إلى الأرض
تقرأ سِفرَ الكرامةِ مِنْ غير شكْوى"
أحيانا يكتب الأديب/الشاعر نصا يتجاوز زمن كتابته، ويمكن إسقاطه/أخذه إلى أحداث أخرى قادمة، أو مكان آخر، اللافت في هذه القصيدة المسافة بين أنت المخاطب، وهم النكرة، فرغم أن الشاعر يعرّفهم بأل التعريف "المرجفون"، إلا أن أعمالهم/أفعالهم غير فعاله: "يمضون"، ومحدودة بالمكان: "عتبة البيت، وبالزمن: ليلا، يرقصون، فزمن الرقص مهما كان سيبقى لساعة أو لساعتين أو ثلاث ساعات على أكثر تقدير، وإذا ما قارنا أفعالهم ـ رغم أنهم جمع وكثرة ـ بأفعال وأعمال "أنت" المفرد، سنجد هوة سحيقة، فأنت تحمل شمس البطولة، والشمس تتناقض مع الليل، تناقضا زمانيًا: "نهار وليلا" وتناقضا مكانيا: "الجهات/عتبة البيت" وتناقضا أدبيا: فهم يقومون بفعل رجعي/ورائي: "يمضون" وفعل تافه: "يرقصون" والجمالية النصف الأول من القصيدة تكمن في أن الشاعر أعطى: "أنت" المخاطب رمزية أدبية: "تحمل شمس البطولة، تغزو الجهات، وهذا يوصل للمتلقي فكرة عن الحجم الحقيقي/الواقعي لأنت وهم.
ونلاحظ أن الشاعر يغيّب "هم" تماما
من النصف الثاني من القصيدة، وهذا التغيب يحمل أكثر من دلالة، دلالة متعلقة
بالشاعر الذي قرف/اشمئز منهم، فأراد تغيبهم وعدم ذكراهم، ودلالة أدبية متعلقة
بالمتلقي، فبعد أن علم/عرف الشاعر أنهم يتمثلون غصة له، أراد أن يزيلهم لكي لا ينغّصوا
على القارئ كما نغّصوا عليه، ودلالة متعلقة بالقصيدة نقسها، فأدبيا لا يحبذ
استخدام أو ذكر أشخاص/أفعال/ألفاظ بذيئة، وهل هناك أقذر من "المرجفين"
ومن أفعالهم يمضون، .
واللافت في النصف الثاني من القصيدة أنه جاء
تمجيدا لأنت وتعظيما، من خلال ذكر المحاسن: "أنت النبي، تقول، تقرأ" حيث
نجد ديمومة "أنت النبي" من خلال: "تقول، تُروى، تقرأ" بمعنى
أننا أمام نبي (حقيقي) رفع ذكره واستمر من خلال "تقول، تروى، تقرأ"
فأهمية النبي تكمن في تعاليمه، في قوله، في الفكرة التي يقدمها لنا، وفي السلوك
الأخلاقي والقدرة على الجلد والصبر، من هنا ختم الشاعر القصيدة: "تقرأ سفر
الكرامة من غير شكوى" وهذا يؤكد (حقيقة) أنت النبي الذي لا يشتك رغم العبء
الكبير الواقع على كاهله، ورغم أنه يقوم بالفعل/بالعمل لوحده.
ونلاحظ امتعاض الشاعر من "المرجفين"
من خلال استخدام اسم الإشارة "هم"، فبدا وكأنه لا يريد ذكرهم لهذا
أنكرهم من خلال "هم" التي استخدمها مرتين، بينما "وحدك/أنت"
استخدمها ثلاث مرات، وهذا يعطي إشارة للقارئ باستمرار وجود "وحدك/أنت"
قوة حضوره.
وإذا ما توقفنا عند "هنا" سنجدها متعلقة بالمعركة/بالحرب، ففي البداية جاءت متعلقة بغزو الجهات، وبالثانية متعلقة بالعدو، وهذا يعطي المتلقي فكرة عن طبيعة "وحدك/أنت" المجاهد المقاتل من أجل الكرامة التي أخذت السفر المقدسة "سفر الكرامة" وهذا يجعل جهاد ونضال "أنت" مقدسا، وعلينا نحن المتلقين لرسالة "النبي" أن نتبعه في جهاده ونضاله، وأن لا نتركه وحيدا لكي لا نكون "كالمرجفين" فيلعننا اللاعنون.
إرسال تعليق