بنّيُّا اللون عريضا المقدمة، مقطّعا الأربطة، ينطبق جلدهما المسلوخ فوق نعلين أسودين ناتئين قاسيين، فيبدو الزوجان المقلوبان في زاوية الغرفة تحت ضوء النواسة كأنهما بئران مسقوفان بالقراميد متهالكان بين الأشجار تحت ضوء القمر.
- كنتُ أأنقَ شباب البلد في زماني .. هل رأيت صورة عرسي. تجاهل المصور حذائي، لكن أقسم لك كان جلداً إيطاليا. وكانت أمك تقول لي: لقد أحببتك لحظة وقع نظري على حذائك، أما هذا الحذاء الذي تراه الآن فلم أكن أقبل بوضعه في قدمي حتى للورشة .
"سأذهب إلى المقبرة حافياً."
"أنت رجُلنا اليوم، لا تجعلهم يسمعون بكائي. أبوك كان يحسن اختيار أحذيته."
"لكنه هذه المرة لم يحسن الاختيار."
تورمت أصابع قدميه وهو يقف فوق القبر بين المشيعين، بينما يَجِدُّ اثنان من أعمامه في الأسفل في ركز البلاطة الكبيرة، ويسدان الفجوات بالحجارة، وعمٌّ ثالث يقف بالطورية فوق الحفرة.
راقب الحذائين ينزلقان في التراب حتى كعبيه. كان يسابق أعمامه في دفن جثته، بينما يهيلون التراب في الحفرة على جثة أبيه. وأحس لوهلة أن ألم قدميه قد زال عندما نظر أسفلهما ولم يرَهما، لكن الألم عاوده شيئا فشيئا مع انجراف التراب عن قدميه نحو القبر .
وقف يراقب هيئة الرجل المحمر الوجه وهو يبحث عن حذائيه بباب المسجد، ولم يجد أمامه غير أربعة أزواج على الرفوف بعد خروج المصلين جميعا: شحّاطين مطاطيين للتوضؤ، وحذائين للخوض في الوحل.
المُصَلًي الأنيق الملابس، المستاء الملامح، اختار الحذائين لمغادرة المسجد وهو يكتم عبارته التي يشتم بها من سرق حذائيه، ولم يلقِ بالاً إلى الصبي الذي تبعه إلى الشارع وراقبه وهو يركب سيارته ويمضي بها.
إرسال تعليق