-->

قسوة المرأة في قصيدة "كيف أنسى" / الناقد رائد محمد الحواري

تم نشر الموضوع في

                                                       

                                                                      د. لقمان شطناوي

قسوة المرأة في قصيدة
"كيف أنسى"
لقمان شطناوي


حال القصيدة كحال المكان، فعندما تكون الخضرة والماء والآفاق حاضرة يكون الهناء والفرح، وعندما تختفي يكون السواد والألم، وبما أن القصيدة جاءت (عتاب) الحبيبة، بمعنى (غياب المرأة) أهم عناصر التخفيف/الفرح التي يلجأ إليها الشعراء، فقد أنعكس هذا الألم/القسوة على مضمون وفكرة القصيدة، وعلى الألفاظ المستخدمة فيها.

سنحاول التوقف عند ألم الشاعر وكيف قدمه، بداية نشير إلى أن صيغة السؤال "كيف أنسى" تحمل معنى استمرار حالة الألم، وما وجود "جرحك الغائر" إلا تعبيرا عن استمرار الألم ووقعه الشديد والقاسي، وما تكراره "كيف أنسى" ثلاث مرات إلا تعبيرا عن استمرار وبقاء هذا الألم ووقعه القاسي.

وهنا يمكننا ربط "ثلاثين خريفا"، بتكرار "كيف أنسى" ثلاث مرات، فجاء السؤال: "كيف أنسى" يمثل عقدا كاملا، وكأن الشاعر بهذا الأمر أراد أن يبرر لنفسه وللقارئ موقفه (الرافض) لعودتها: "فدعيني/ واتركيني، غابت الأقمار، وغاصت ألواني" فالرقم ثلاثة ومضاعفاته يحمل معنى الاستمرار والكمال، من هنا نجد القارئ ينحاز لموقف الشاعر في عدم الاستجابة والقبول بعودتها.

ونلاحظ أثر الثلاثين خريفا وضياعها تلك السنوات فاعلا ومؤثرا من خلال: "ودعت العيونا، غابت الأقمار، وغاصت ألواني" فحجم الألم يجعل العقل الباطن للشاعر يهيج ويستفز ويكون حاضرا، فيتحدث عن قسوتها وما فعلته فيه، أليس أثرها القاسي في الصدر، وممتد لعقود ثلاث؟

وبما أن الشاعر حدد مكان الألم "في صدري" وهذا يشير إلى حجم الجرح وحساسية المكان الذي وقع فيه الجرح، كما أنه يشير إلى طبيعة القصيدة التي تتحدث عن مشاعر الشاعر تجاه علاقته بتلك المرأة التي آذاته شخصيا ونفسيا وعاطفيا، وسلبت منه الزمن ولمدة ثلاثين خريفا.

وإذا ما توقنا عن تكرار المقطعين: "جرحك الغائر في صدري، لم يعد شيئا ثمينا" سنجدها تخدم الفكرة التي القصيدة، (رفض عودة تلك المرأة) وسنصل إلى حالة القنوط التي وصل إليها الشاعر، بحيث لم يعد يقدر أو يقبل أو يقوى على مقابلتها أو مداراتها كما كان في الماضي، فقد أخذت منه الكثير، وأعطاها الأكثير.

هذا المدخل أساس القصيدة، فالقصيدة شخصية، متعلقة بامرأة قست على الشاعر مما جعله يكتب قصيدة شخصية، من هنا نجد غياب المكان، وتجاهل المحيط/الفضاء، وصب الاهتمام على المشاعر والأحاسيس وانفعالات والأثر الذي تركه تلك المرأة.

يدخلنا الشاعر إلى أفعال تلك المرأة من خلال تحول الجمال إلى قسوة:

"ونزيف الأمنيات" نلاحظ أن الشاعر يقدم القسوة/نزيف على الفرح/الأمنيات، وهذا ناتج عن حجم الألم الذي وقع عليه، مما جعله يقدم السواد على البياض، كما أنه ناتج عن ضياع الزمن الذي أنفقه/قضاه مع تلك المرأة، وما ذكرة ل"ثلاثين خريفا، سنيا، الأمس ولى، ليال بائسات، عمرا طويلا" إلا من باب فقدان الزمن الذي من المستحيل استعادته أو إعادته كما كان، وهذا ما يجعل ألمه شديد الوقع.

ونلاحظ قسوة المرأة من خلال: "وأنت جاوزت الوعود وأخلفت الظنونا" ونجد طيبة الشاعر من خلال: "وأنا واريت قلبي" ففي هذا المقطع يمكننا التأكد أن الشاعر كان (يداري المرأة) ويتسامح معها ويتجاهل مثالبها، من هنا نجده يتحدث عن استمراره ولمدة طويلة في مجاراتها وعدم إبداء أي تذمر أو امتعاض أمامها: "ثم ودعت الأنينا" وفي تحمله غيها وقسوتها، وهذا ما جعله ـ لاحقا وبعد ثلاثين خريفا ـ يتخلى عن سلوكه الطيب، (ويكفر) بها، فلم يعد يقدر على تحمل المزيد، ولم يعد لديه الوقت/الزمن ليعطيها كما كان، لهذا كرر وبصورة متتابعة ومتصلة:

"لم يعد شيئا ثمينا

لم يعد شيئا ثمينا" وهذا (الزهد) بها يمثل حسم أمرها ورفض عودتها بصورة قاطعة وواضحة وحاسمة.

القصيدة منشورة على موقع مجلة العهدة الثقافية على هذا الرابط

https://mokabadat.blogspot.com/2024/09/blog-post_3.html#

 




إرسال تعليق

أحدث أقدم