تكمن أهمية كتب التراث في تثبيتها للمورث الحكائي،
وبما أن بلاد الشام مهددة بتراثها، إن كان من خلال احتلال فلسطيني وتهجير شعبها
عام 48 و67، أو من خلال التشريد والتهجير والقتل الذي حدث في لبنان إبان الحرب
الأهلية، وفي سورية بربيعها الأسود، من هنا أي كتاب يتحدث عن الموروث الشعبي في أي
قطر من أقطار بلاد الشام، يعد إنجازا وتوثيقا لأدبنا المحكي.
"هشام غرابية" في كتابه "أشباح
ديرتنا" يقدم لنا هذا الموروث بطريقة لافتة، فنجده محايدا في تقديم المادة
الحكائية، فيقدمها لنا كما سمعها، أو كما قالها الرواة دون تدخل، وبما أن هناك
أكثر من مكان تم رصد الحكاية فيه، من الشمال في إربد، وحتى الكرك في الجنوب، مما
يشير إلى الجهد الكبير الذي بذله في جمع وتدوين "أشباح ديرتنا"
فالجغرافيا التي اعتمد عليها الباحث واسعة وتحتاج إلى وقت وتعب وسفر.
يتناول الباحث مجموعة من الحكايات، خاصة تلك
المتعلقة بالأشباح/الغول، الشراقة، الجنية، الساكونة، النباهة، التباعة،
الرصد" وغيرها، وبما أن الباحث يتناول مادة (خرافية) فكان لا بد من توضيح
أهمية ومكانة ودور هذه المادة في إحداث التوازن بين الطبيعة والناس وإعطائهم
القدرة/الطاقة على مواصلة الحياة: "قد ينظر إلى هذه الطقوس والأشباح المتخيلة
باستخفاف، لكنها ساندت أجدادنا وشكلت وسيلة توازن ضرورية مع القدر، وحمتهم من
الشعور بالعجز أو الخواء، وخففت عنهم ثقل المواقع المعاش" ص17، وإذا علمنا أن
بعض هذه الحكاية لها جذور تعود إلى آلاف السنين، إلى زمن عشتار وعناة والبعل كما
هو الحال في "أم الغيث" نصل إلى حلقة التواصل بين ماضينا البعيد وتراثنا
القريب.
فكرة العدل والخير كانت القاعدة التي استند إليها
أجدادنا كأسس في الحياة، من هنا نجد العديد من الحكايات المروية تتناول فكرة
(الرعب) الذي يسببه المقتول ظلما للأحياء، ينقل لنا الباحث هذه الفكرة من خلال
"نظمي جابر" القائل: "لقد انتصرت المرويات الشعبية للمظلوم،
فأطلقوا صورته ليتردد صداه مذكرا الأجيال بمظلمته عبر طائر اسمه الهامة، وهكذا تظل
روحه تحوس في المكان الذي انساب دمه في ترابه تردد صدى صوته" ص116، اللافت في
هذا القول أنه يقودنا إلى موت البعل وكيف أخذت عناة على عاتقها إيصال المظلومية
التي وقعت "للبعل" إلى "إيل" مذكرة الخراب الذي حل على الأرض
ومن عليها بسبب غياب البعل، وهذا ما دفع "إيل" إلى إعطائها ما يساعدها
على عودة البعل إلى الحياة، وهذا ما يؤكد حلقة التواصل بين الحكاية الشعبية
والأسطورة والملحمة الدينية/الأدبية القديمة.
وما فكرة الساكونة المتعلقة بالضحية المظلومة
وارتباطها بالمكان الذي قتلت فيه، إلا صورة عن هذا التواصل بين الماضي الملحمي
البعيد، والحكائي القريب.
ونجد في قصة "حديدون وعلاقته "بزينة
البنات" وبناء المدينة: "سنخلف بنينا وبنات، ونعيد إعمار المدينة،
وسنتمكن من طرد الغولة" ص185، إلا تكملة لملحمة البعل الذي استعادة حياته بعد
أن ساعدته "عناة" وتدخلها عند "إيل" فهنا أيضا نجد "زينة
البنات" تساعد "حديدون" في الإعمار وعودة الحياة الخصب في المدينة.
وإذا علمنا أن الكتب يضم قصص كتبها "هاشم
غرابية" تستند إلى فنية القصة الحديثة، نصل إلى فكرة امتداد البعد الأدبي في
الأردن وبلاد الشام منذ أن دون أجدادنا ملحمة البعل، مرورا بما نقلته جداتنا من
حكايات شعبية مروية، إلى ما نكتبه الآن من أدب حديث ومعاصر.
الكتاب من منشورات وزارة الثقافة الأردنية، الطبعة الأولى 2022.
إرسال تعليق