-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

السابع من تشرين/ الكاتب خليل عودة

 
يقول جبرا إبراهيم جبرا لما التقى ارنولد توينبي في بغداد لدى زيارته للجامعة حيث كان جبرا يدرس فيها يقول إنه همس بأذنه أنكم معشر الفلسطينيين عندما خرجتم من دياركم قمتم بما قام به علماء القسطنطينية عام 1453 حيث نشروا العلوم والمعارف في أنحاء أوروبا ، ليكون هذا التاريخ فيما بعد تاريخ أوروبا الحديث.

 منوها إلى هجرة الفلسطينيين وتنقلهم إلى أقطار الوطن العربي وإلى كل أنحاء العالم.

 فيما بعد السابع من تشرين أدخلت العالم العربي والإسلامي التاريخ فصلا عن القضية الفلسطينية التي قتلتها عملية السلام 

سيكتب التاريخ لاحقا أن السابع من تشرين كان بداية حركة التاريخ العربية الإسلامية الحديث وسوف يؤرخ له كيوم استثنائي للعالم كله قبل القضية الفلسطينية والعالم العربي والإسلامي

 الحق أنه من المبكر قراءة الحدث والتعامل معه واستنطاقه وأخذ العبرة ، وقراءة ما حدث وما يحدث وما آلت إليه الأمور وما ستؤول فنحن في فيض خضمه وعباب موجه يأخذنا شمالا وجنوبا وإلى فوق فوق، والى تحت تحت، وما من شك أن الرؤية غائمة والتحليلات كثر والزوايا غامضة والرهانات لا تحصى والأوراق لا تعد والاصطفافات لا زالت تتموضع ولا اريد استباق الأمور ولكن منذ اليوم الأول وأنا مطمئن تمام الاطمئنان أن المقاومة في غزة والضفة الغربية ولبنان والعراق واليمن وفي المنطقة ستنتصر لأنها كرست انتصارات وراكمت خبرات عبر ثلاثين سنة ويزيد ، حقا تتقدم ببطؤ ولكنها لا تتراجع أو تضعف فتغير من أهدافها لعل الإبادة الجماعية في غزة والضفة الغربية من قبل الكيان كان بسبب الصدمة الكبرى التي كشفت وجوده بما ينطبق عليه المقولة الشهيرة (أوهن من بيت العنكبوت ) ليكتشف أنه لم يكن مؤهلا وبكل ما أوتي من عتاد وما يحيطه من أعوان وتواطؤ من الأنظمة العربية والغربية لم يكن أكثر من فقاعة ظل ينفخ فيها العالم لخمسة وسبعين عاما في السابع من تشرين

انتهت المعركة في أول خمس ساعات حيث أدرك قادته الحقيقة لكنهم لم يستطيعوا تمثلها أو التعامل معها، بل وقع الغرب أيضا بنفس الصدمة والحيرة ، مما جعلته يفقد توازنه وعقله وكل نظرياته عن الإنسان ويتوجه إلى حضوره الاستعماري عبر القتل وسفك الدماء التي تمارسها في كل من الأرض الجديدة التي بنى عليها حضوره التاريخي الحديث أو في عملية بناء تلك القارة المكتشفة بسرقة ملايين البشر وتعبيدهم لصالح مشروعه الاستعماري الدموي  

 وعليه فقد كان استنفار النظام الرسمي الغربي بعد السابع من تشرين وردة فعله التي شرعنت القتل ولما وتقوم به آلة القتل الصهيونية ولعمى أصاب العقل الغربي قبل الكيان لم يكتشف وإلى هذه اللحظة أنه لن يستطيع أن يعود الى ما قبل السابع من تشرين مهما فعل وذلك بما أصاب الحضارة الغربية من مقتل، حيث انكشفت تلك الحضارة على حقيقتها الزائفة المزورة للتاريخ والوعي ومفهوم الإنسان أو بما يروج إعلامه من ديمقراطية وما تم التنظر له خلال القرون الأربعة الماضية منذ الثورة الفرنسية السابع من تشرين كشف عوراته أمام شعوبهم قبل أن يكشفه أمامنا التي استيقظت على غافلتها وغياب عن وعيها وتضليلها 

نحن إذن إزاء تاريخ جديد وثقافة جديدة ووعي آخر جديد ، هذا الوعي لا ينفع معه سفك الدماء أو التضليل الإعلامي أو غسل الأدمغة ، وعلى نحو هو انقلاب السحر على الساحر ، وعليه مهما فعلوا فلن يمكنهم القتل والدماء والبوارج وحماتهم في المنطقة والإعلام العالمي و الأمم المتحدة لن يمكنهم من إعادة الأمور لما قبل السابع من تشرين ، او تحقيق النصر فقد وقعت الهزيمة حيث ضرب الصدع صميم بنيانهم الذي لا يمكن ترميمه وهو ليس بالهين ، وقد كان على الصين وروسيا تقدير هذا الحجم من الخدمة الذي قدمته غزة لهما وتشكيل رؤية عملية تتوافق مع سرعة انهيار منظومة الغرب الحضارية والأخلاقية والثقافية والعمل عليها وتفعيلها ومساعدة غزة التي تنوب عن الجميع في كشف ما وقع على العالم من ظلم ما حدث في غزة أيقظ الفطرة الإنسانية التي تم تغييبها وبرمجتها عبر مئات من السنين وبتقنيات تقوم على غسل دماغ الإنسان ليل نهار ودون توقف وبما لا يسمح أن يخلو المرء بنفسه ولو للحظة واحدة 

الغريب حقا أن هذا الحدث العظيم الجليل الذي زلزل بنيان الغرب وكشف خداعه بمسميات حضارية وثقافية وأنظمة ديمقراطية، الغريب أن بعضنا لا زال يزن ثقافتنا و حركة مجتمعاتنا بما يحدث في الغرب، وكأن السابع من تشرين لم يعتقنا من تلك الرؤية التي باتت خلفنا وخلف أصحابها أنفسهم السابع من تشرين بكل ما يملك من طاقة أخلاقية وثقافية وحضارة إنسانية صار واقعنا الذي شكل حضورنا كأمة لها تاريخها وجغرافيتها وبنيانها الثقافي والعقدي والذي من خلاله يتم تقييم المفاهيم والظواهر والأعراف والقيم في الوقت الذي يخرج الأوروبي للتظاهر ضد عملية الإبادة في غزة 

لا زال بعض مثقفينا يرون أن الشارع العربي متخلف عن الغربي في مناصرة أهله بالخروج إلى الشارع متظاهرا ، ولكن لا يلفت انتباه المثقف العربي الذي لا زال مختنقا بالحضارة الغربية لا يلفت انتباهه أن طبيعة الإنسان العربي الذي شكله الإسلام عبر الف وخمسمئة سنة لا يناسبه( التظاهر من تظاهر ) لأن هناك بعد كل صلاة وعبر ملايين المساجد في كل العالم الإسلامي من يقنت لأهل غزة تضرعًا إلى الله وخفية ، وهو يقف بين يدي الله يشحن روحه ومشاعره لتلك اللحظة التي هو بانتظارها  

سيقول البعض ويشكك آخرون أن الأمر لا يعدو أن يكون إخلاء مسؤولية 

ثقافتنا الإسلامية تقول غير هذا والدليل ما وقع على أهل غزة وما تحملوه طوال سبعة عشر عاما ، إنه الشحن الداخلي الذي يحول الإنسان إلى طاقة لا تنتمي إلى الطعام والشراب والسكن والحر والقر ، إنه الشحن لارتباط علوي آمل أن نبدأ بقراءة أمتنا بما يليق والسابع من تشرين ونعيد النظر في كل المفاهيم الإنسانية الغربية التي تم استيرادها ظلما وعدوانا على روح وبنيان ديننا وثقافتنا وحضارتنا لنبدأ بمفهوم جديد ورؤية جديدة لدراسة نظامنا الاجتماعي والنفسي واللغوي لنكون نحن ،لا صدى للآخر ورجعه


  1. نعم ولا يزال في جعبة هذه الانقلابة أن تحرر الإنسان العربي والغربي...شكرا أستاذ على هذه الإيماضة شديدة الوعي

    ردحذف
    الردود
    1. كل التقدير والشكر لوعيك

      حذف
  2. واهم ما كشفه السابع اكتوبر أن هناك شعبا واحدا تحرر من رق العبودية لفكر الغرب وثقافة الغرب وما ينتجه الغرب للبطن والجسم ومن الخضوع لوكلاء الغرب .. انه شعب غزة واذا لم نتحرر كشعوب اسلامية مما تحرروا منه فإن قول ربنا سينطبق علينا :
    (قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها)
    وارض الافكار وارضية الثقافة اصبحت الأن واسعة ولكننا قوما مدمنون على نفايات الثقافة والفكر الغربي

    ردحذف
  3. قراءة سليمة الواقع ولكن كما شعرت دولة الكيان وأمريكا والغرب بالهزيمة كذلك شعر كثير من بني جلدتنا وملتنا فناصروهم

    ردحذف

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016