-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

نظرة في كتاب موجوعة لإسراء جعابيص / الناقد رائد محمد الحواري

 بداية نشير إلى أهمية ما يكتبه الأسرى وينتجونه، وما يُكتب عنهم، فهذا يبقي وجعهم/ ألهم/ قضيتهم حاضرة، رغما عن ضغط الحياة وما فيها من معضلات وهموم، الكتاب يتضمن مقاطع أدبية كتبتها "إسراء" ومقال/ تقرير عن الإهمال والمعاملة القاسية التي يُعامل بها الأسير داخل سجون الاحتلال، وهناك صورة رسمتها إضافة إلى مشغولات تطريز، كما يوجد فيه مقابلة شخصية أجراها عبد الحميد صيام تناولت حالتها الصحية وكيف تم اعتقالها ومعاملتها من قبل السجان، وهناك مقال كتبه عنها الأسير "راتب حريبات" إضافة إلى نص أدبي تقمصت فيه الأديبة "أسماء خليل أبو الرب" شخصية إسراء وكتبت نصا مذهلا، وكما كتب المحامي "حسن عبادي" مقالة عن تعرفه بإسراء وكيف أنها في كل لقاء كانت تصرخ: "من حقي أحصل على علاج" ص75، وأخيراً مقال كتبته "إيمان الأعور" تحدثت فيه معاناة إسراء.

فالكتاب متنوع ومتعدد الأشكال الأدبية، ونجد أكثر من لغة، حتى أن النصوص الأدبية التي كتبتها "إسراء" جاءت بلغة محكية، وإذا ما قارنا اللغة الأدبية التي استخدمتها "أسماء أبو الرب" بالتقرير الذي كتبته "إسراء" واللقاء الذي أجراه "عبد الحميد صيام" نصل إلى أن هناك أكثر من شكل ونوع أدبي تم استخدامه في "موجوعة"

العنوان "موجوعة" كان حاضرا فيما كتبه "إسراء" تقول في "تنهيدة" برسالة عبر الزمن أرمي بها في بحر الحياة:

"موجوعة كلمة تعبر عن الألم

تخرج كل أحاسيس المألوم لتخفف عنه

بهدهدة المكابرة

وتنهيدة المجروح المصاب بألم الاشتياق

والمتأوه من جراح جفت

مع جفاف فصول الخريف

الثماني التي مرت عليها موجوعة

وهي تحت أغلال القيد

دون أن تكسر" ص22.

فكر الألم حاضرة في الفكرة وفي الألفاظ: "فموجعة/ موجوعة، الألم/ بألم/ المألوم/ المتأوه المجروح/ جراح، جفت/ جفاف، الخريف، المصاب، أغلال، القيد، تكسر" فكل هذا الألفاظ تؤكد أن هناك ألماً هائلاً يقع على "أسراء" وما تكرار "الألم" بأكثر من صيغة إلا تأكيد لألمها ووجعها. ونلاحظ أن هناك تكراراً لغالبية ألفاظ الألم، وهذا ما يجعلنا نقول إن وجعها لم يعد يحتمل، كما أن استخدامها لصيغة الغائب في النص، حيث تتحدث عن امرأة (أخرى) غير "إسراء" يأخذنا إلى الحالة النفسية الصعبة التي تمر بها، مما جعلها غير قادرة على أن تتحدث عن نفسها، فأوجدت امرأة أخرى "موجعة" قدمتها لنا في "تنهيدة".

كما تستوقفنا ألفاظ "تنهيدة، بهدهدة" التي تخفف شيئا من ألم "الموجوعة" لاحتوائهما على حرف الهاء الذي يعطي الراحة لمن يلفظه، لأنه قريب من لفظ (آه) كل هذا يجعلنا نقول إن هذا النص البسيط يوصل فكرة "إسراء" وما تمر به في سجون الاحتلال.

النص الذي كتبته "أسماء خليل أبو الرب" جاء بلغة أدبية رائعة، كما أنها استطاعت أن تتقمص حالة "إسراء" وكأنها هي، جاء فيه:

"أطن، بل أعتقد أن جسدي لم يعد يحتاج إلى حرارة بعد الآن، بل إن روحي لا تعطش للدفء، ويداي لا تكره الشتاء، ولا تفتش عن مدفأة!

إن عطش الروح للكلمات الدافئة وللذكريات الخالية، للمرآة.. لن تعود! ستعود بحالة واحدة فقط، إن عادت أصابعي إلى يدي...

وإذا عاد وجهي إلى مرآته، وثقتي بالآخرين.

أنا لا أعد الأيام، ولا السنوات، القدر حولني إلى ذاكرة... والفرن نسي أن بداخله عجينة فأحرقها، وخرب مذاقها...

أهداني حارس السجن مرآة كي أنظر إلى وجهي كل يوم، وجهي الذي مسح خلفه الخطوات، ولم أعد أعلم أين رحل!

لن يعرف أحد مرارة الخروج من الجسد، ومن الذاكرة، ومن الحياة.. وهو لا يزال فيها" ص72

نجد ألم المرأة/ الأنثى حاضرا وبقوة في هذا النص، فبعد أن احترق وجهها وبترت أصابعها، لم يعد أحد يرغب بها (كأنثى) مما جعلها تعزف عن: "الحرارة، للدف/ المدفأة/ الدافئة" هذا وهو اللافت في هذا النص، فالثورة التي جاءت بها أوصل فكرة ألم المرأة/ الأنثى من خلال امرأة وليس من خلال رجل، مما جعل الفكرة تصل بهذا الشكل الجميل والمثير.

كما تحدث عن "المرآة" الوسيلة الأهم عند الأنثى التي تحتاجها لتبين جمال أنوثتها لرجلها، فهذه الأداة أيضا لم تعد تحتاجها، وما مرورها (العابر) على الزمن: "الأيام، السنوات" التي أهملتها، إلا تأكيد لألمها (وحسرتها) على جسدها الذي لم يعد يرغب به رجلها.

من هنا نقول إن هذا النص تجاوز حالة التقمص إلى حالة الحلول والتماهي مع "إسراء" فكانت الكاتبة هي "إسراء" لكن بلغة "أسماء"

الكتاب صدر عام 2023، دون اسم لدار النشر.

 

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016