البحث عن المعنى
في زمن الجائحة
رضوان خديد
"تحولات
المعنى والفكر في زمن الجائحة" هو العنوان الذي اختاره الأستاذ الجامعي
والباحث حسن مسكين لكتابه الجديد، الصادر عن مؤسسة الرحاب الحديثة، بيروت، خلال
السنة الحالية 2023.
انطلق المؤلف في إنجاز عمله من العديد من الأسئلة التي استجدت بفعل تأثيرات
الجائحة الشاملة والمفاجئة، والتي من ضمنها: " لماذا اتجه الإنسان، في ذروة الجائحة، نحو الاحتماء بالعزل، باعتباره
الخيار الوحيد للنجاة من الموت، بدل الاندماج الذي كان مطلبا عزيزا؟ ما الجديد الذي طرأ على علاقة الذات بالآخر،
والقريب بالبعيد، والهوية بالاختلاف؟ ولماذا لم يعد البعيد هو المختلف لغة وثقافة
وهوية؟ ولماذا غدا القريب أيضا مختلفا ومُبعَدا؟ وهل بإمكان الاحتماء بالفضاءات
المغلقة، أن يكفل للإنسان تلك الحياة السليمة، المتوازنة التي يرجوها، أم إن ذلك
يعمق عزلته ويقرب نهايته؟ ما هي التأثيرات العميقة التي خلفتها الجائحة في البنية
الجسدية والنفسية والمعرفية للإنسان؟
كيف يُبنَى الفكر والمعنى في سياق الجائحة؟ وهل مازال
بارديغم "اليقين" قادرا على تفسير هذه الظواهر والمستجدات المتلاحقة
والمتسارعة؟ أم آن الأوان لتوجيه الأبحاث نحو الصحة الفكرية والمعرفية، بدل
الاقتصار فقط على الصحة الجسدية والنفسية، أملا في بلوغ الإنسان ذلك التوازن
الشامل الذي أصبح الآن أعز ما يُطلب؟
وقد خلص
المؤلف إلى العديد من الاستنتاجات، لعل أبرزها:«ضرورة إعادة النظر في مجموعة من
المفاهيم والبارديغمات، التي أقمنا عليها فهمنا وتفسيرنا وتأويلنا لمختلف الظواهر
والأحداث والقيم والعلاقات، والتي من أهمها: حدود العلم ، إذ كلما تقدم هذا
الأخير، إلا وأدرك أنه أمام تحديات كبرى تخفيها الأيام، وهي قادرة على المفاجأة
تلوى الأخرى، والتي قد تكون أحيانا قوية وصادمة وذات انعكاسات خطيرة، تدفع الإنسان
إلى مزيد من التأني، بل وطرح أسئلة عديدة عن معنى العلم والصحة والمرض والجائحة
والإنسان والموت والحياة في ظل هذه التحولات والمستجدات الكثيرة في حياة الإنسان،
هذا الأخير الذي يدرك وهو تحت وقع صدمة الجائحة أنه أضعف جسدا مما كان يعتقد،
وأهون نفسا مما كان يظن، وأقرب إلى الجهل منه إلى العلم، رغم كل ما حققه من تراكم
معرفي وتقني، حتى اليوم. وهو ما ينتهي به إلى التفكير في حل الإشكال الوجودي الذي
يتجاوز موضوع اتقاء شر الجائحة، إلى الكيفية التي يواجه بها معنى الموت المختلف أو
الطريقة المثلى للتطبيع مع حتميته، حتى ولو كان موتا خاصا ومختلفا».
لكل ذلك يرى المؤلف أننا في حاجة ماسة إلى حسن «استثمار الأدوات المهمة التي تقدمها العلوم
الإنسانية الراهنة، هذه الأخيرة التي من بين مهامها تفسير وتحليل الفكر والسلوك
والفعل الإنساني وتأويل مخرجاته وتقويمها، ذلك أن الذي يتابع التحولات التي استجدت،من
جهة بفعل الجائحة نفسها، ومن جهة أخرى بفعل التأويل الموجه لها من لدن أطراف
متعددة، سينتابه الشك وتتملكه الريبة حول
المسار الذي سينتهي إليه الإنسان، سواء في الزمن الراهن أم في المستقبل، خاصة من
حيث علاقته بذاته وبالآخر، وبالقريب والبعيد، وبالفرد والمجتمع والدولة والعالم ».
وجدير بالذكر
أن كتاب "تحولات المعنى والفكر في زمن الجائحة "، هو آخر إصدارات
المؤلف العديدة، التي من بينها: اللغة والفكر (2014)، أزمة النخب العربية: الثقافة
والتنمية (2012)، الحياة السياسية في المغرب المعاصر(2016)، التواصل السياسي: أسس
الخطاب وأهدافه (2022).
إرسال تعليق