الكلمة .. روح الثورة:
قراءة في كتاب "الشعر الفلسطيني
المعاصر في مطلع القرن الواحد والعشرين"
الكاتب والباحث/ ناهــض زقــوت
تقول الدكتورة سناء زقوت: ارتبط الشعر
الفلسطيني في القرن الحادي والعشرين بجملة من المتغيرات السياسية والأحداث
المتواترة التي ألمت بالعالم العربي، وفلسطين على وجه الخصوص، مما أدى إلى تردي
حال الأمة العربية بأبعادها الاقتصادية والسياسية، وعجزها عن لجم المحتل، وعن كبح
جماح امتداده في عمق ثقافتنا وهويتنا العربية والفلسطينية.
هذا ما كتبته في مقدمة كتابها (الشعر
الفلسطيني المعاصر في مطلع القرن الواحد والعشرين) والذي أهدتنا نسخة منه، والصادر
عن دار الكلمة للنشر بغزة عام 2023.
يمثل الشعر ديوان العرب، بمعنى مواكبته
للأحداث والتغيرات التي يواجهها المجتمع، ويوثق الشاعر تلك الأحداث وفق رؤيته
وتصوراته الجمالية المستمدة من الذات الشاعرية، وإذا نظرنا للشعر الفلسطيني الذي
قامت عليه دراسة الباحثة الدكتورة سناء زقوت فنجد أنه واكب الأحداث وتفاعل معها
وعبر عنها، حين وجد الشاعر نفسه محاصراً ومثقلاً بجملة من التغيرات والتحديات التي
يعاني منها مجتمعه/ وطنه، فحاول أن يرسم حدود الحق ويتعاطى مع قضايا وطنه وأمته
العربية من أجل التأصيل التاريخي والوجودي.
وتمكن الشاعر من شحن عزيمته بقوة الإرادة
والتحدي لكل أشكال الظلم التي يواجهها أبناء أمته العربية وشعبه الفلسطيني، فانطلق
بالقصيدة معبراً بكل الوسائل الجمالية والمعنوية واللغوية، وأن يمتلك ناصية الأدب
المقاوم الملتحم بالوطن. وهذا الشعر المقاوم هو ما اختارته الكاتبة الدكتورة سناء
ليكون مضمون دراستها، لذا اختارت مجموعة من الدواوين الشعرية لشعراء لهم بصماتهم
الابداعية والشعرية في المشهد الأدبي/ الشعري الفلسطيني موزعين ما بين غزة والضفة
الغربية وأراضي 48 والشتات، ليكونوا نماذج دراستها، وهم الشعراء: ايمان مصاروة،
وخالد عرار، وخضر جحجوح، وسليمان دغش، وعبد الناصر صالح، ومحمد العكشية، ومحمد
دلة، ومحمود مفلح، ومريم العموري، ويونس أبو جراد.
جاءت الدراسة في 290 صفحة، وموزعة على
ثلاثة فصول، تضم تحتها العديد من العناوين التي تفتح أفق الدراسة التي اختارت منهج
الأسلوبية كمنهج دراسي للأعمال الشعرية التي اختارتها، حيث أن الأسلوبية كمنهج
نقدي قائم على فهم الطريقة الخاصة التي يعبر بها الشاعر عن أفكاره ومشاعره، ويساعد
الباحثة على التعمق في سبر أغوار القصيدة من خلال دراسة الألفاظ والعبارات
وعلاقاتها ووظائفها المتنوعة، المشتملة على العلاقات اللغوية من أصوات وصيغ
ومفردات وتراكيب، فيتداخل فيها علم الأصوات مع الصرف والنحو الدلالة والتراكيب،
لتؤدي اللغة وظائفها التكاملية، وتكشف عن كل الدلالات والإيحاءات الكامنة في
النصوص الأدبية/ الشعرية.
لقد بذلت الباحثة جهداً كبيراً في دراستها
يلمسه القارئ لهذه الدراسة، ويبرز هذا الجهد في قدرتها على تطبيق منهج الأسلوبية
في تحليل قصائد الشعراء وسبر أغوارها الدلالية، لذلك توزعت دراستها على فصول
تناولت مجمل رؤيتها لقصائد الشعراء الذين اختارتهم للدلالة على مكنون القصيدة في
القرن الحادي والعشرين. فمن خلال هذه الفصول تناولت دلالات الجملة الاسمية والفعلية
لتؤكد كثافة حضورها وإبراز الطاقة الايجابية في القصيدة الشعرية الفلسطينية، فغلبة
الأسماء والأفعال كما تقول في البنية التركيبية للنصوص الشعرية تعطي دلالات على
حالة الشاعر الذهنية والنفسية، وعلى الدلالة الايجابية الكامنة خلف هذا الاستخدام
المتكرر. كما تعرج على تركيب القصيدة بين الأسلوب الخبري والانشائي، فهذا التركيب
القائم على الخبر والتوكيد يساهم في تشكيل المعنى الذي يعمد الشاعر إليه من خلال
تعبيره عن الحالة التي يعيشها، وبالتوكيد يسعى لترسيخ فكرة في ذهن القارئ، وهي
رسالة للمتلقي تعبر عن الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر، تقول الباحثة: يعد
التوكيد رسالة موجهة إلى المتلقي ليفهم منها الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر،
ويحاول أن يؤكدها من خلال المؤكدات بأنواعها ومراتبها وفق حالته النفسية
والشعورية، ووفق حالة السامع، فإن كان شاكاً أو منكراً فإن خطاب التوكيد يكون بما
يناسب هذه الحالة ودرجتها من الشبهة والانكار، والشاعر الحاذق هو من ينجح في توظيف
الوسيلة المناسبة للسياق ولحالة السمع.
ويأتي الفصل الثاني معبراً عن الانزياح في
البنية التركيبية للقصيدة الشعرية الفلسطينية من حيث قدرة الشاعر الفلسطيني على
التلاعب في القواعد والقوانين الشعرية دون الخروج عن جوهر القصيدة، وذلك من خلال:
التقديم والتأخير للكلمة، وتقديم الجار والمجرور، وتقديم المضاف والمضاف إليه،
وتقديم المفعول على الفاعل، وتقديم الحال، والتقديم في جملة النداء، والتقديم
والتأخير في جملة القول، والتقديم في الجملة المنسوخة، وتقديم التناسق الموسيقي،
والتقديم في التركيب الشرطي. ومن علائق الانزياح التي تتناولها الباحثة الالتفات
الذي يعد من الظواهر الاسلوبية التي تمثل طاقة حركية ووصفية للمعاني الألفاظ التي
ينتقل فيها الشاعر من صيغة إلى أخرى. لذا درست الباحثة الالتفات في الأفعال،
والالتفات العددي، والالتفات في الضمائر، والالتفات من الخطاب إلى الغيبة،
والالتفات من الغيبة إلى الخطاب، والالتفات من التكلم إلى الخطاب، والالتفات من
الخطاب إلى التكلم، والالتفات من الغيبة إلى التكلم، والالتفات من التكلم إلى
الغيبة.
وتكشف الباحثة د. سناء زقوت في الفصل
الثالث عن جماليات الأسلوب في الشعر الفلسطيني المعاصر، من خلال عدة أساليب جمالية
حديثة أدخلها الشاعر الفلسطيني إلى القصيدة لتعبر عن قدرته على مواكبة الرؤى
الجمالية للقصيدة الحديثة وتوظيفها في نصه، وهذه الجماليات والتقنيات الشعرية تعبر
عن مدى ثقافة الشاعر، وعن حالته الشعورية والنفسية، ومن هذه التقنيات الحديثة التي
درستها الباحثة في القصيدة الفلسطينية: التناص بكل أبعاده وحالاته، وركزت على
ديوان "مدائن الحضور والغياب: للشاعر عبد الناصر صالح، والتكرار بكل تجلياته
عند الشاعر خالد عرار، وكذلك درست التعريف والتنكير، والتضاد بأنواعه، والاعتراض
بكل أنواعه في الجملة الاسمية والفعلية، وفي القول، وفي الوصف والموصوف، وجملة
العطف.
وقد خلصت الباحثة في دراستها إلى التأكيد
على أن الشعر الفلسطيني المعاصر يجسد الصورة الأدبية الجميلة للشعراء الفلسطينيين
الذين تجمعهم قضية وطنية واحدة تتمثل في صراع الفلسطينيين مع عدوهم الاسرائيلي
المغتصب لأرضهم ولحقوقهم وثقافتهم.
تمثل هذه الدراسة مساهمة كبيرة في دراسة
الشعر الفلسطيني ومواكبة تطوراته، ولكنها تتميز عن الدراسات الأخرى بأنها درست
الشعر الفلسطيني في القرن الحادي والعشرين، وتناولت أعمال شعرية حديثة واكبت
الأحداث والوقائع التي عاشها الفلسطيني منذ بدايات هذا القرن، لهذا فهي دراسة مهمة
وجديرة بالقراءة تؤكد على قدرة الكاتبة النقدية واحاطتها بالرؤى النقدية الجديرة
بتوظيفها في النص الشعري، وكذلك تشير إلى معرفة مدى الابداع التي وصلت إليه
القصيدة الفلسطينية، ومدى مواكبتها لكل التقنيات الحديثة، مما يؤكد على ثقافة
الشاعر وقدرته على توظيف هذه التقنيات بما يساهم في رقي قصيدته دون أن يتخلى عن
قضيته والرؤية الوطنية التي يعبر عنها.
ونختم مقالتنا بما خطته الباحثة على الغلاف الأخير: إن الشعر الفلسطيني استطاع أن يقدم الانموذج الراقي في المسيرة الأدبية، فهو الأدب الذي استطاع أن يوازن بين الجمال الفني والموضوعي، فهو أدب الروح والثورة، وهو الأدب الذي ساهم في التجارب النضالية والمجتمعية على المستوى العربي والمحلي، وذلك بارتباطه بقضيته فلسطين التي يحاول المحتل طمس هويتها، وإغراقها في متاهة النسيان والخذلان، فهو سلاح الكلمة وروح الثورة، الذي استطاع الصمود في وجه الطغاة، والوثوب بالحق إلى مستوى القناعة والنهوض، فصدح بالقوافي ولبى حاجة الأمة في التعبير عن رفض الباطل واحقاق الحق.
إرسال تعليق