-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

لماذا نكيلُ المديحَ لكلِ صباحٍ جديد؟! قصيدة جديدة للشاعر سميح محسن


خاص بالعهدة الثقافية

______

على صخرةٍ هبَطَت من سماءٍ مزيّنَةٍ بالمصابيحِ

ثمّ استقرّت على جبلٍ

في أعالي الجليلِ

نُرَتِّلُ في حضرةِ الصّمتِ ما خُطَّ 

من سيرةِ الأنبياءِ 

التي صاغها الشهداءُ 

وقد تركوا للرواةِ عنانَ الخيالِ

لتفكيكِ أسرارِ نبعٍ تدفقَ من تحتِ إبطِ الجبل...

نبعُ ماءٍ تجلّت على شفتيهِ الشقائقُ حمراءَ 

تَقطُرُ منها حكاياتُ تلكَ الشواهدِ 

والشاهداتِ على مَنْ أقاموا هنا

يحرسونَ فضاءاتِ أحلامِنا 

بالحياةِ، يضيئون في عتماتِ الليالي نقوشَ البلادِ لنا

نستدِّلُ على حزمةِ الضوءِ 

من جدولِ الأرجوانِ

ونمسكُ في عتمةِ الليلِ خيطَ البلاغةِ

لمّا تضيقُ الرؤى

في اتساعِ فضاءِ المعاني...


******


رفيقان شقّا طريقَ العبورِ إلى نخلةٍ

نَبَتَتْ في جوارِ البحيرةِ

واعتلتْ سدَّةَ الرّيحِ

 كيّ يستظلا بفيءٍ

تبعثرَ بينَ حجارةٍ وادٍ سحيقٍ

وماءِ البحيرةِ

لم يأبَها باختلاطِ الرؤى

بالبلاغةِ في وصفِ أمجادِ من صعدوا

في نهايةِ ليلٍ طويلٍ

إلى سدرةِ المنتهى،   

لم يهزّا بجذعِ النخيلِ 

ولم يقطفا وردةً نبتت من عروقِ الجبل،

أو يُشعِلا النّارَ في كومةِ القشِّ 

حتى تُضاءَ الطريقُ إلى النَبعِ 

لم يجزعا من مآل المتاهاتِ 

سارا على خيطِ قلبٍ رفيعٍ

تماهى مع الذّاتِ 

فالقلبُ بوصلةُ القابضينَ على حُلُمٍ 

كلّما اشتدَّ هذا الظلامُ تجلّى

أضاءَ الطريقَ إلى نجمةٍ

مُكَلّلةٍ بالأماني...


******


لماذا نَكيلُ المديحَ لكلِ صباحٍ جديد؟

بكاملِ هذا البهاءِ 

يُطِلّانِ من شرفةٍ في السّماءِ

على غابةٍ في الأفق،

يصعدانِ على سُلَّمِ الحُلمِ نحو الحياةِ

يضيئانِ شمسَ صباحٍ ستشرقُ دونٍ رتوش،

يُعِدّانِ قهوةَ كلِّ صباحٍ

ومائدةَ الإنتظارِ لما سوفَ يأتي

ولا يأبهانِ ببعضِ التفاصيلِ:

لا ينظران إلى صورةٍ في المرايا،

ولم يطفئا الضوءَ في غرفةِ النومِ،

لم يسمعا ما يطيبُ لنا من أغاني الصباحِ، 

ولم يقطفا وردةً من ورودِ الحديقةْ،

سريرانِ في غرفةٍ واحدة،

شقيقانِ في خطوةٍ واحدة،

شقيقان عادا شهيدينِ في ساعةٍ واحدة، 

على كتفيّ أبٍ في صباحٍ حزينٍ 

فكيفَ نَكيلُ المديحَ لهذا الصباحِ المُدمّى

معاً، يصعدانِ إلى صخرةٍ في الأعالي

وفي القلبِ جرحٌ 

وصوتٌ لأمٍّ ينادي: خذاني


******


لِكُلٍّ حكايتُهُ في صباحٍ جديد،

وللأمهاتِ حكاياتهنَّ التي لن تغيب،

فكيفَ نكيلُ المديحَ لهذا الصباحِ المضرَّجِ بالموت؟

كيفَ نُجَفِّفُ أحزانَهنُّ 

وهنَّ يودّعنَ أبناءَهنّ ؟  

دعوهنَّ يسردّنَ ما شئن من ذكرياتٍ مُبَلَّلَةٍ بالدموع،

وفي وصفِ ما كانِ قبلَ الوداعِ الأخيرِ

ولا تسألوهنَّ من أيّ نبعٍ

يَجِئنَ بهذا الجَلَدْ؟!

وكيفَ يودّعن أبناءَهنّ

بفيضِ الأغاني

 

******


لقد أرهقتني القصيدةُ في البحثِ عن مخرجٍ 

للنصوصِ التي أوغلت في التباسِ المعاني 

تكونُ الرواياتُ محشوةً بالتفاصيلِ

نغرقُ في سَردِ ما نشتهي

نُغمِضُ العينَ عن كوةٍ في الجدار،

من الرّوحِ نجمٌ تدلّى 

وفاضَ بضوءٍ تماهى مع الفجرِ لمّا تجلّى

وأوحى بما لم يقله الشهيدُ:

تكونُ المعاركُ أقسى من الاحتمالِ

ونذهبُ طوعاً إليها...

تكونُ الطريقُ إلى جبلٍ صاعدٍ للسّماءِ

مُلَبَّدةً بالظلامِ ونمشي عليها...

يقولُ الشهيدُ: سأمضي إلى حيثُ شاءت بلادي

فهذا المكانُ مكاني

وأصعدُ، لو كنتُ وحدي، 

على جبلٍ يحرسُ الحُلمَ 

أمضي، أُطَوّعُ هذا الزمانَ

إذا ما الزمانُ عصاني... 

--------

كُتِبَت هذه القصيدة خلال شهر كانون أول 2022 

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016