-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

الأنسنة في ديوان قميص الأثر بقلم الناقد د. سلطان الخضور

وُلِد الشاعر أحمد الخطيب الحائز على المركز الأول بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي للشّعر العربي  2021  في مخيم إربد عام 1959، ونشأ في أزقته، ودرس المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة الغوث، ثمّ انتقل في المرحلة الثانوية إلى مدرسة إربد الثانوية للبنين، وتخرج فيها عام 1977، ثم التحق بجامعة زاغرب في يوغسلافيا لدراسة الطب، وحالت ظروفه دون إكمال تعليمه الجامعي.

عمل  مندوباً في جريدة الرأي - القسم الثقافي، ويرأس الآن تحرير موقع العهدة الثقافية. بدأ كتابة الشعر في المرحلة الإعدادية، ونشر القصيدة الأولى عام 1978 في مجلة الفجر الأدبي وفي 1981 بدأ النشر في الملاحق الثقافية في صحف الرّأي والدّستور وصوت الشعب، إلى جانب المجلات الثقافية الأردنية, مثل أفكار وصوت الجيل ومجلة عمّان وجرش واليرموك الثقافية، بالإضافة إلى المجلّات والصّحف العربية مثل الرّافد وفي البحرين مثل المنتدى والجسرة الثقافية, وكذلك مجلّة أدب ونقد، إبداع، وكتابات معاصرة والموقف الأدبي والجوبة السّعودية, والعربي الكويتية, ونزوى العمانية.

وقد شارك بالعديد من المهرجانات المحلية والعربية والدولية، مثل مهرجان جرش ومهرجان رابطة الكتاب الأردنيين, ومهرجان الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الّذي أقيم في  العراق، ومهرجان أنطاكيا للشعر في تركيا.      

ويعتبر الخطيب من الشعراء الأردنيين المعاصرين غزيري الإنتاج, فقد أصدر اثني وعشرين ديوانًا شعريًا, كان أوّلها أصابع ضالعة في الانتشار, وآخرها تغريبة حارس المعنى, والتي هي من منشورات جائزة الطّيّب صالح عام 2021

.

وبعد معاينة ديوان "قميص الأثر" الصّادر عام ألفين وتسعة عشر, وجد الكاتب أثرًا لكثير من الأمثلة على استخدامات الأنسنة في قصائد هذا الديوان نبدأها بقصيدة " هل تفهمني يا بحر"

إذ يسأل الشاعر البحر إذا كان يفهم لغز السّنّارة وهي تحاول أن تتجاوز لغة الطّير, ويبدو أن الشاعر يريد في هذي القصيدة أن يفهم البحر سبب سعي الناس للصّيد من البحر وترك الطّير ترتع دون صيد, متناسيًا أن الانسان هو الذي يوجه السّنارة باتجاهه, هذا الانسان كذلك هو الذي يسعى للصيد من أعماقه دون مجاري الأنهار, ربّما لأن شواطئ البحار فيها من المغريات الكثير التي تدفع الصّيّادين بالاتجاه نحوها, أو أن الصّدفات الجميلات يقعن في بطن السمكات الرّابضات بالعمق, ما يجعلهنّ أكثر إغراءً وشدّا للصّيّادين.

يقول الخطيب في هذي القصيدة:

هل تفهمني يا بحر

وهل تفهم لغز السّنّارة

.وهي تحاول أن تتخطّى الطّير

وقد هيّأت لها طعم المعنى؟!

ام تغمض قوس الأشياء

وتنسى في الجملة

ميلاد الانسان؟!

وفي قصيدة" العرّابون كثيرون" التي خصّ بها الغيمة التي تتجنّب العدالة, وتتلهّى بيده, بينما تمطر على أقرانه, ومن الواضح أنّ الشّاعر يتحدّث عن الفقر والغنى الذي لم ينال منه كما ينال أقرانه, ويشبّه الغيمة بسنابل شمس حزيران, ويبدو أنّ الشاعر في ذلك الحين, لم تكن أحواله كما يجب, في حين كان أقرانه يجدون ما يكفيهم, فظهر لنا عطشان كما سنابل حزيران, ويبدو أن هذه السّنابل التي أجبرت على العيش في المنفى استلقت تنتظر الغروب, فيما الشّاعر بدأ ينتظر لعلّ شيئًا يكون, لكن شيئًا لم يكن, فالعرّابون لاذوا يتلهّون في المقاهي, بينما بقي هو متأمّلًا, لكنّه يدرك أنّ تأمله لا يعدو عمّن يأمل وهو يتأمّل الجدران أن يرى زهرة السّوسنة - وهي الزهرة التي تنبت في بلاد الشّام وخصوصًا الأردن- وقد بانت تتمشّى على الجدران, كناية عن الأمل, والواضح أن الشاعر يقصد حزيران عام ألف وتسعمئة وسبعة وستّين "عام الهزيمة".

يقول الخطيب:

تتلهّى غيمة أقراني

بيدي وأنا (عطشان)

مثل سنابل شمس حزيران

تستلقي في منفى الكون قليلًا

قبل غروب الرّؤيا

فأنقّيها من لون يخضرّ

ويصفرّ على أفق يتلهّى

والعرّابون كثيرون

وينسحبون إلى المقهى

...

كنت أحاول أن تمشي

سوسنة فوق الجدران

وفي مقطع آخر من ذات القصيدة, يؤكد الشاعر أن كل ما يحصل, وما أشار إليه سابقًا هو بفعل إرادة الإنسان واستجابة لرغبته, وأن سوءات البشر تحتاج أن يوسع الريح فضاء قلبه ليستوعبها لكثرتها, وأن يكون هناك مجالًا لحبّة قمح متفائلة تريد تحقيق ما تشتهي, أو تحقيق حلم قصفة توت, أطاح الانسان بطموحها.

ورد في القصيدة:

كم يتّسع الآن

قلب الرّيح

لحبّة قمحٍ تبحث عن شهوتها

ولقصفة توتٍ

يخلع سَوأتها الإنسان

 

أمّا قصيدة " فقراء نحن " فمن الواضح أنّ الشاعر مستاء من الوضع العربي, ما كان وما هو كائن, فكأنّه يرى العرب أموات في ثياب احياء, وأن السّبب هو هذا التّشرذم الذي ينتج عن أسباب تافهات, نثير عبس على مضر, ليشير إلى النّزاعات التي تنهك جسد الأمّة, وأن من مهازل هذا الزّمان هذا الرّوقان الذي يعيشه أهل الأفيون من هذه الأمّة, فهم يختلفون على شكل القمر, وحتى ضرورة نظافة الطّرقات التي لا يختلف عليها اثنان, فهم يتنازعون عليها ويذهبون لأداء صلاة الفجر جماعة وما أن يحين وقت الظّهر إلا والوضع قد اختلف, وكأنهم يتفكرون في فترة ما بعد الفجر عن سبب للنزاع, أو قل عن طريقة لإشعال الحرب فيما بينهم.

يقول الشّاعر في هذا المقطع:

فلتنقشوا بيتين عن أرواحنا

جئنا نمارس حقّنا

فتكالبت عبس على جيش مضر

وتحدّث الأفيون عن شكل القمر

وتنازع الجيران حول نظافة الطّرقات

إذ يبنون في الفجر

صلاة الخوف

ثم يؤثّثون ضحى القتال

...

ويباركون الشاعر الرّائي

لكل حلمٍ منتظر

وْلن يمرّ الليل دون أن يذكر في قصيدة " حدث طارئ ومضيء"  فالليل حين تنقشع ظلمته, يسعى لإقناع نفسه أن الدّرب حين يوحل وهو كذلك دائمًا, إنما يوحل ليتقدّم خطوة يخطوها, ففي  تراب النسيء, أي في الحرام عن سبق إصرارٍ وليس نتيجة للتّسرّع, والنسيء حسب الآية القرآنية رقم 37 من سورة التوبة حرام بصريح اللفظ حيث قال الله تعالى" إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا" وفسّره الطبري على أنه"  التأخير الذي يؤخِّره أهل الشرك بالله من شهور الحرم الأربعة، وتصييرهم الحرام منهن حلالاً, والحلال منهن حرامًا, زيادة في كفرهم وجحودهم بأحكامَ الله وآياته"

يقول الشّاعر:

إنّه الّليل إذ يمّحي مقنعًا نفسه

أن وحل الدّروب هنا خطوة

في تراب النسيء

وليس رؤى مسرعة

وفي "قصيدة ذاكرة الّلجوء" يخاطب الشّاعر اباه ويريده أن يبتعد عن عيون الرّصد التي يظهر النص أن أصحابها يستهوون الجلوس في الحديقة كمكان عام, فمنها رحلة تنزّه ومنها مراقبة عامة لمن فيها او حولها, يراقبون آثار الصّور التي رسمتها ذاكرة الّلجوء, وهذه الذاكرة كما أعلم لا تحمل إلا صورً للمآسي, وكان يحمل جبّته التي تظهر من تحتها يده, ويبدو أن المثل القائل" إذا كثرت همومك غنّي لها" فالشاعر يطلب من أبيه دوزنة أوتار الكمان وبغني على ليلاه, وكـأنّي به يطلب من أبيه أن " يتلحلح" حتى لا يحاسب على جريرة أبيه, لعلّه يمر في هذي الحياة, ففي ها المقطع  يجعل الشّاعر للقصيدة عينًا وللجوء ذاكرة.

يقول لشّاعر:

هو ذلك المعنى

إذا خلت استعارات الكمان

من الزّواحف

وانتظار الرّصد

من عين القصيدة

واللحاق بصورة رسمتها ذاكرة اللجوء

وكان يحمل جبّبة لا جرح فيها

غير تلويح الايادي عن بعيد:

يا أبي سلسل إذا أوتاره

لأمرّ بين الناس

وفي قصيدة "قميص الأثر" التي اختار عنوانها ليكون عنوانًا للدّيوان, نجده يجعل للموج يدًا, ويجعل الأرض ترضع, لكن ماذا سترضع الأرضُ؟ ويجيب على هذا السؤال, بأنّها ترضع كأس التشظّي, ليعود ويرسم صورة تشظّي الأمّة من جديد, ويظهر في هذي القصيدة متوعّدًا, بأنّه سيكون له دور في قلب المشاهد, لأنّ الأمر لم يعد يحتمل, ويشبّهه بأنّه وصل حالة الجحيم, هذا الجحيم الّذي أرضع الأرض كأس التّشظّي.

يقول الخطيب:

ذلك أنّ الشهود يتامى

وأنّ يد الموج ألحن مما يُظَنُّ

وممّا يرى في قميص الأثر

سأقلب ليل المّشاهد

حتّى أرى واحدًا مثله واجفًا

مثل هذا الجحيم الذي أرضع الأرض

كأس التشظّي

أمّا قصيدة " أوّل الرّقص حنجلة" وأول الرّقص حنجلة, هو مثل عربي يضرب عندما يبدأ شخص ما بممارسة ما هو غير مألوف بقدر بسيط بداية, ويتوقّع منه أن بزيد تدريجيّا في هذا السّلوك, ومن الكتّاب من ردّ رقص الحنجلة إلى مشية طائر الحجل الّذي تبدو مشيته كما الرّقص. ألمهم أن الشاعر تحت هذا العنوان يصوّر لنا لعبة ريما وهي تجلس في البيت, وفي الشّبّاك الخلفي يرى ثلاثة أقمار, قمر للجارة وقمر للطائر والثالث للشاعر, إلا أن الجارة توحدت وربما بموت زوجها والطائر في قبضة عيسى, ويبدو أنّ عيسى أحد أطفال الجيران يحبس الطائر الّي يكاد يموت, حتى حين أشارت قطّته الشّقراء إلى الشّرفة, ومن يدري فمن الممكن أن تكون القطّة الشّقراء,هي فتاة شقراء يحبّها عيسى.

يقول الشاعر:

في بيتي

تجلس لعبة ريما

وعلى آخر نقطة ضوءٍ

في الشباك الخلفي

ثلاثة أقمار

قمر للجارة قبل توحّدها

قمر للطّائر في قبضة عيسى

...

حتّى أشارت قطّته الشقراء

إلى الشّرفة

قمر للشاعرِ

في نسخته الأخرى

وليوم الأربعاء في قصيدة اعتراف وقع خاص لان السّهرة للصّباح , ففي هذا اليوم يأتي الندى مثقلًا بالحنين, وتظهر الرّمزيّة واضحة في هذي القصيدة, فما استنتجته أن النجوم فتيات جميلات, لأنّهن يضئن الحديث عن الحب, وتشير القصيدة أن هناك نهر جار, وجو جميل, وعندما يهجع الّليل, ينام شاعرنا, وكأن التّرتيب الإلهي لا يريده أن يقع في ملذّات الحياة, رغم أنّ كل شيءً متاح حتى على السّرير, ففي القصيدة التالية الندي مثقل بالحنين, والنجوم تتحدّث عن الحب والليل يغفو ويمكن اصطياد الحياة.

حينما اذكر الأربعاء

يجيء النّدى مثقلاً بالحنين

وسهرتنا للصّباح

حينما أصطلي بالّنّجوم اللّواتي

يضئن الحديث عن الحب

والنهر يجري عل ضفّة الأغنيات

أرى اللّيل يغفو

ويسدل هذا الجناح

لكي لا أصيد الحياة

وكل الّي في السّرير متاحْ

والمثال الأخير نستقيه من قصيدة "الرّماح" والرّماح في هذي القصيدةِّ رمز للعتاد الّذي يستخدم في المعركة, وقد وصفها الشّاعر بأنها عوانس أي أنّها لم تُمس, ووصفها كذلك بأنها بِكر, كناية عن عدم استخدامها في الحروف, فالجيوش هاجعة رابضة, تجيد لعبة شيطنة الغير حتى تلقي المسؤوليّة عن كاهلها وتضعها في رقاب الغير, ويحكي الشاعر عن تلك الرّماح التي على باب هذا المخيّم بأنها لم يعد لديها حنين إلى تلك الباسقات من النخيل التي ما زالت تئن, وما زال لديها أمل بالجديد, وما استخدام كلمة هذا إلّا ليشير إلى مخيم بعينه.

يقول الشاعر:

الرّماح العوانس

والبكر بعد اصطفاف الحروب على الميمنة

كلها يا صديقي

تميل إلى رقصة الشيطنة

والرّماح التي علّقت نصل روحي

على باب هذا المخيّم

كلّها يا صديقي

تطارد خوف الجيوش التي فرّطت بالحنين

على نخلة مؤمنة

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016