ثمة معضلة حقيقية أمامنا ونحن نعاين دور الثقافة في المجتمعات العربية، فالثقافة في مجتمعاتنا خانعة وليست مبادرة، تقودها السياسة والمال والإعلام، وتفرغها من مضمونها الحقيقي. فالمثقف، في الأغلب، أجير ينطق بما يملى عليه ولا يصدر عن قراءة حقيقية موضوعية للواقع على ضوء التجربة الإنسانية.
لا ينظر للأمور من عل ولكنه يضيع في حمأتها فلا
يستطيع أن يرى وأن يحلل، لا يبادر وإنما يعيش على ردود الفعل.
أما مصطلحات التنوير والظلامية والإرهاب فهي
مصطلحات فضفاضة، بل أزعم أنها مضللة، إذ يصبح المدافع عن الفساد والفردية
والأنانية والقمع والديكتاتورية والظلم الاجتماعي والباحث عن اقتناص الفرص منظرا
للتنوير.
هذه المصطلحات لم تنشأ في جو صحي نظيف ولا في
مناخ حر يسمح بتلاقح الأفكار والآراء، وإنما نجمت في مناخ القهر والاستبداد والكيد
والفساد. فهل نستطيع أن نناقش أية قضية بموضوعية وعلمية وعيوننا لا ترنو إلى
السياسة والمال والإعلام!!
وإذا كان المرء أمينا مع نفسه، صادقا في قراءة
الواقع، فإنه سيجد كل معطيات الواقع تشجع على التطرف، فلو أخذنا جانبا خطيرا من
جوانب التثقيف الأساسية وهو التربية التي تصوغ الفكر والوجدان في مراحله الأساسية
لوجدنا تراجعا خطيرا في مهمتها في هذا الجانب، بل يمكن القول إنها أصبحت بمناهجها
وفلسفتها بعيدة عن مهمة التربية، فالمدرسة والجامعة المكان الذي يعنى بتزويد
المتعلم بالمعرفة وتحصينه ضد أشكال التعصب والانغلاق والتطرف، ومنحه الانتماء
لمفهوم الدولة والمجتمع المدني.
إن الشباب في حاجة ماسة إلى القدوة، وإلى
الخبرات المربية، لا إلى أدعياء ثقافة وفكر يصمون الآذان بالنظريات، وإذا فتشت في
الخفايا فإنهم يقولون ما لا يفعلون، وهؤلاء أخطر على الأمة من أعدائها الظاهرين
إرسال تعليق