ما الذي يتبع الدلالة وهي تصعد من أيقونة
الجوهر اللغوي إلى جسرها القائم بين الضبط والتأصيل، وما الذي يجيز عبورها في
مسالك الكلام وهيَ تتقدّمُ تنظيرًا وتطبيقًا، إعادة أحياء أو إنشاء محتوى مختلف، وما الذي تتوسّلُهُ من إيقاعات معرفية تختفي أحيانًا
أو تظهر على مرافئ الوجود.
هي الدلالة، إذًا، تلك المسحة المعرفية التي
ذهب فرع رابطة الكتاب الأردنيين بإربد، إلى تأصيلها وإفرادها أمام المبدعين، في ندوة "
الشهادة الإبداعية، التي نظمها مساء أمس
في قاعة المؤتمرات والندوات في القاعة الهاشمية التابعة لبلدية إربد الكبرى، وسط
حضور نخبة من المهتمين.
الشاعر شطناوي رئيس الفرع هيّأ سريعًا مفاتيح
عتبة الندوة، تاركًا دورانها في يد المحاضِرَين: الناقد والشاعر نضال القاسم،
والناقدة الروائية د. مها مبيضين، وهما، في سياق ما يمكن أن تؤثثه، ضابطان لجملة
من الإيقاعات الشعرية والسردية والنقدية، وبذلك هما قادران على تفعيل الوعي وتحصيل
المراد.
الشاعر القاسم، كفَّ عن حَيرة الشعر وقلقه، ومئونة
النقد واشتغالاته، مسترشدًا بعباءة القول وظلال الذاكرة، واضعًا يدَهُ على زمنية
الحركة وهي تسرد التحوّلات التي طالت قمصان البدايات، مازجًا بين الفعل ودوائره في
التعاطي مع القراءة والتحوّل الذي أسبل رؤيته على خطوط التماس بين ثقافتين واتجاهين،
متنقلًا بين تراثنا العربي والتراث الغربي، ظاهرًا في ملامستهما ومسايرتهما
والاعتناء بهما حدّ التكامل لتبرز قيمة ذلك في كتاباته منذ الدرج الأوّل إلى لحظة
الصعود إلى الطابق العلوي الذي يريده الكاتب أو يسعى إليه، ورغم سرود السيرة
الذاتية " وما أعدّه من ضرورة لازمة في بنية الشهادة " في متون التفريغ
الحكائي، إلا أنّ غيمتها الكامنة في تقديم شهادة إبداعية لم تفارق الفواصل
البنائية المكمّلة لاستيضاح ما يمكن أن يشكُل أو يغيب عن المتلقي لحظة الالتقاء مع
النص المكتوب.
الروائية مبيضين، ذهبت إلى المشهد الحقيقي
للغة، وسط تمرين فكري وثقافي واصطلاحي لمفهوم الشهادة الإبداعية، فهي إذ تمارس هذا
الإيضاح إنما تمارس حقيقة ما هو كامنٌ في بنية النص اللغوي الذي يحمل مشروعيته من
مقابسات عدّة استحضرتها عبر تقديم نماذج دالّة على المفهوم " فنّا واصطلاحًا"،
ولتحفيز أدوات القول الدلالي لما تريده، وما تريد استنطاقه من النماذج، اعتنت
بالمتقابلات، الشهادة الإبداعية " ما يريده المبدع"، والشاهد " ما
تريده الحقيقة"، وبينهما وقفت الروائية مبيضين تستظهر وتستطلع مؤثرات الفعل
شهد، بدءًا من الوقوف على المكوّن الأوّل " اللغة" مرورًا بالمكوّن
الثاني " النسيج"، واحتفاءً بالمكوّن الثالث الدربة والدراية بالسياقات
اللازمة لحضور فنّ الشهادة الإبداعية، مرورًا بالوثوق من خروج النص الشاهد كونه
سيرة ذاتية أو غيرية إلى رحابة الإمداد التشكيلي الذي يطأ أرضًا خصبة قادرة على
إنتاج مكوّن جديد له شروطه الدالّة على كينونته الخاصة.
في نهاية الندوة التي أعقبها مداخلات تعقّبت
مفاتيح الدلالة وأثرها على تشكيل المصطلح وما ذهب إليه المحاضرَين من أمثلة ونماذج،
كرّم الشاعر د. عمر العامري المحاضِرَين
بدرع الرابطة تكريما لهما.
إرسال تعليق