لم تكن إدارة أمسية إنما تجوالًا في رؤى المتن والفخاخ المنصوبة، ولم يكن تقديمًا عابرًا إنما استراحة لمحارب قادم من ضفة البلاغة والمجاز، ذلك الذي سطر له القاص والصحفي عدنان نصار وهو يحثُّ فكرة التلقي وفكرة الإنصات لما هو آت، إذ أطر لجملة من السياقات، أبرزها الخروج من المنطقة الخضراء إلى الفضاء الأكثر بهاءً، لتبقى الرابطة حصنًا تلجأ إليه الذائقة التي تمرّن وعيها على الأسئلة وتحفيزها في عالم لا متناهي من التأويلات.
إذًا، هي أمسية احتفى
بها القص بميعاد القنص، متكئًا على محاكاة الوجدان الإنساني، ومتعالقًا مع المشاهد
البصرية، أمسية بحضور نخبة من مثقفي حاضرة الشمال، وتنظيم فرع رابطة الكتاب بإربد، وأقيمت في قاعة المؤتمرات والندوات التابعة لبلدية إربد الكبرى،
وقع فيها الرسم والنحت موقع المفردة من صويحباتها، وموقع التفاعل الكيميائي من
مختبرات لا تظهر للعيان إلا بعد تفعيل الموازين، موازين المتون والأساليب والفواصل
المجازية التي توالدت بين نصوص ما قدمه القاصان: محمد الطاهات وحسين أبو الهيجاء.
أضاء الطاهات في
قراءاته تفاصل الحكاية وشوارعها وشهودها، ملتفتًا إلى الذات وهي تشهد التحولات
التي تطرأ على أرضية المشهد الذي يراقبه عن كثب، لا يكتفي بالمساحة المجازية، إنه
يذهب بعيدًا بدقيق التفاصيل وأسرّتها وميولها ووقوعها في قبضة المتكلم بحالة سينمائية
عابرة للفلاشات الحاضرة عند كلّ لقطة، تحضر عند كل منعطف تتوسده الذات في مسارها الزمكاني.
أبو الهيجاء هدأ من
روعة القول وسروده، متجهًا في دورانه إلى حقول النص المستتر، غير عابئ بالسيولة
التي تهطل من غيمة المعنى، إنه يحاصر فعل القول لا بيانه، وينتدب له مجاز الحركة
وبنيتها النصية، هو لا يكتفي بالإنصات إلى روح المتون بل يقدم فراسة من نوع خاص لأنه
يعي، أو هو على وعي، بتقلّب السرود في عالم الشهود، أو تمنع الشهود على عالم
السرود، فالجمل النصية فيما قرأ عملت على تراكم رؤيوي حاد يصل في ممانعته للكشف
إلى شاعرية المخيلة.
الشاعر د. عبد الرحمن
فحماوي في نهاية الانفجار الجمالي الذي طالت شرارته ذائقة الجمهور قدّم درع
الرابطة للمشاركين في الأمسية .
إرسال تعليق