نتائج التوجيهي، جرس إنذار لمزيد من البطالة، وهي مؤشر جديد/قديم
على افتقادنا إلى ثقافة العمل واحترامنا له، وخاصة العمل الجسدي labor ، ذا الطبيعة
الخدماتية/ المهنية، وربما كان هذا امتداد، ونتيجة لعدم تقديرنا للوقت، فالعقلية
السائدة، والمكرّسة ، تعزز هذا، فمثلاً، اعتمادنا على " التقليد، والعادة،
ينعكس ليصبح كسلاً عقلي ، يمنعه من خلق وإبداع سلوك جديد، بل الاستمرار ، و على
نفس الوتيرة بشكل يومي، شهري، سنوي، يميّع الإحساس بالوقت، ومن ثم الزمن، وربما
القصة التالية تختصر الحكاية:
مر شخص بآخر يبيع البيض، سأله عن سعر البيضة، أجابه أن ثمنها عشرة
قروش، وبعد زمن، مرّ بذات الشخص ووجده يبيع الدجاج، سأله عن سعر الدجاجة، أجابه أنها
بعشرة قروش، سأله مستغرباً، وكيف ذلك وقد كانت البيضة بعشرة قروش كذلك، وقبل شهر؟
فأجابه: الفرق بين البيضة والدجاجة، هو الوقت، والوقت لا ثمن له!
فلا الوقت له ثمن، ولا الجهد في رعاية البيضة لتصبح دجاجة، له قيمه
أيضاً.
كما أن التركيبة العائلية لدينا، كعائلة ممتدة، وفكرة الانتماء
لها، تجعل أي جهد بدني مقدم من أحد أفرادها لآخر، جهد مجاني مغلّف تحت عنوان
التعاون الأسري أو العائلي أو العشائري، فيصبح معيباً أن يأخذ الشخص مقابلاً لما
قدمه من جهد، لكن في التخصصات التي تتطلب مالاً في الإعداد لها يختلف الأمر، فما
يدفع في مقابل هذه الخدمات يبرر بما تم صرفه من أموال، وسنوات، في الإعداد لها ،
فنشهد، وعند كل مفترق أكاديمي " التوجيهي مثلاً" سباق على كليات معينة،
تؤهل لهذه المهن رغم ما يتطلبه هذا الإعداد من وقت ومال ، طبعاً دون إسقاط للمؤهل
العقلي والذهني، والذي يُعَدْ ضمن بيئة محفّزة عليه، وهذا موضوع آخر مهم، بحيث نرى
توارث لهذه المهن تحكمه الطبقة الاجتماعية في الأغلب، أو ضغط غير عادي، لما قد
توفره هذه المهن من " صعود" طبقي.
إذن، الجهد البدني في الحرف الخدماتية، جهد غير مقدّر على أي صعيد،
لا بل يقع في تقسيمه كنوع من الأعمال " المتدنية" اقتصاديا واجتماعيا،
ويترتب على ذلك تحديد الطبقة الاقتصاجتماعية لمن يقوم بها، والنظرة أو "
التقييم " الذي يستتبع ذلك.
ثم هناك الأعمال ذات الطابع الوظيفي " هذه الأعمال التي يفترض
أن تكون أعمال ذات طبيعة وسطية ، من حيث الإعداد والقدرات" لما تمكنه من
" امتلاك قرار/ سلطة ما" ، فيحظى هذا النوع من الأعمال باحترام كبير ،
أولاً بما تمكنّه من سلطة فعليّة، أو وهم وإيحاءً بها، وكذلك بما تحققه من ثبات
وديمومة، حتى وإن لم تتفوق " كأصل" في المردود المادي، على المهن
المتخصصة، والتي تتطلب إعداداً وتأهيلاً محدد وعلمي " كالطب والهندسة
والمحاماة" مثلاً.
لكن ما يهمني هنا الأعمال ذات الطبيعة " الخدماتية"
والتي تقع في أسفل السلم من حيث التقدير المادي والمعنوي.
فسوف نرى أنه في المجتمعات التي حققت حداً معقولاً من احترام
الإنسان وحفظ كرامته، يصار إلى تقدير الجهد البدني labor,والوقت الذي
يتطلبه إنجاز العمل.
سؤالي، لو كانت ساعة المواسرجي، أو الكهربائي، أو ميكانيكي
السيارات، وفنّي التدفئة، وعمّال البناء ، وهذا النوع من الأعمال، على اختلاف
وتنوع الاختاصاصات، و التي تستند إلى الخبرة وتتطلب إعداداً أكاديمياً متوسط،
وقصير نسبياً، لو أن هذه الأعمال، تتطلب مقابلاً مادياً مرتفع نسبياً، عند القيام
بها، كما هو الحال في أغلب الدول الغربية، أو لو تطلب القيام بها تراخيص معينة، مرافقة
لتدريب مهني ما، ومتاح ومسهّل من حيث المقابل المادي، والمدة الزمنية، وشروط الالتحاق
بدوراته، هل كنّا سنشهد هذا السباق المحموم نحو معدلات مرتفعة، بهدف تحقيق مقعد في
الكليات المتخصصة التي تمنح مكانة اجتماعية" مرتفعة" ، ضمن هذا الفهم،
وهل ستختفي عندها عبارات التهديد، لطلبة العلم عند حثّهم على الدراسة ، بآخرة
تُلقي بهم لهذا النوع من الأعمال، على أنها عقوبة، لما سيقع على العامل في
مجالاتها، من مادي ومعنوي؟!
إرسال تعليق