لم يعد يذكر إلا أن الشهر تسعة وثلاثون يوما، عندما حمله طائره الميمون إلى تلك الجزيرة، نسي شظف العيش والسنارة والسمك، وصار البحر لديه امتلاء وسعة وزرقة وكيف، تسع وثلاثون غرفة بحورياتها بخدمها وحشمها وزبرجدها، ما لذ وطاب، بعضه يعرف وأكثره لا يعرف ، نسوة باذخات الأنوثة والفتنة يقمن على ليله ونهاره، على طعامه وشرابه، تسع وثلاثون غرفة ، بل هن أربعون ، مالي وللأربعين هي محرمة عليك، لك في باذخ جنتك أن لا تجوع ولا تعرى، ولك فيض رضى وظلال وتوق، ولك في الأربعين من هذا الفيض شوق يزهر عمره كلما عبر غرفة ويزداد فتنة، الثانية فالثالثة حتى التسعة والثلاثين، يعود إدراجه مسرعا، إلى فتنته الأولى وتوقها يسبقه الشوق، لا يجد متسع وقت لسنارة على شفا نهر ملقاة هناك وتلك اللحظات التي كانت يفتتن بها لحظة رؤيته لصورته في الماء وبلل الروح بانتظار سمكة تعلق في سنارته، نسي الصياد هناك، وغدا أميرا بحاشية وخدم وحشم، ودهشة الاحتفاء به ولهفة الغياب بعد تسع وثلاثين، أمير مطاع، النوافذ تأتمر لأمره، ستائرها وردها وليلكها خافت نورها، وحوريات برضاب، عسل يثمر قطافه لحظة الاشتهاء، وبحر على مد البصر ناعم الزرقة موجه أرجوحة سريره وساعة الروي شمعدانات اللقاء، لا يرى ذلك الصياد عاري الصدر وسنارته المستكينة في عمق الماء تمتد تستجدي سمكة خرقاء الشهر تسعة وثلاثون وعند الأربعين يقفل عائدا إلى يومه واحتفائه الأول، في عامه الأول من سنته الكبيسة لأشهره الموسومة بالتسعة والثلاثين، انتظمت قوافل تسعا وثلاثين يباركن للأمير عامه الأول، والأمير لا يرى الغرفة الأربعين، شده بعد ترحله إلى غرفة التسع والثلاثين بعد عام من شهد وعسل غرفة كانت بيده مفتاحها تتنصل بعيدا ترمقه كأنها لا تراه، وغاب في دورته التسع والثلاثين وفي روعه رمقها، في دورته وقف بعيدا عن بابها تلمس جدارها، تسمع لهمس صمتها وعاد مع لحظها خاوي القلب إلا من روعة وانكسار، نسي زرقة البحر وذلك السرير الممتد على البحر أرجوحة ، نسي ليلا ليلكيا ودهشة ليلته الأولى، واستيقظت بقلبه عتمات، عاد حزينا لسيدة الغرفة الأولى ممتقع السحنة، سيدة الفتنة الأولى لم يكن من صلاحيتها أن تسأله، جل ما يمكن أن تكون له حبيبة وحليلة، ردها بلطف فامتثلت إلى رقة وعطف، لم يكن من صلاحيتها أن تدوس قلبه بنعلها، ولم يكن من صلاحيتها أن تستعطف قلبه لها، كانت كالأرض تنثر حبها وقلبها ودفأها وماء روحها، يتقدم عطاؤها بين يدها تنثره بين يديه رغدا تنادي عليه، ردا جميلا ردها واعترى، بنى بها وابتنى في القلب حسرتين، تغشت روحه غشوة لما تغشىاها، لما تعشق غرفة الأربعين نامت حمائم توقه، وانبرت له نفس تتوق أليها، شد ما أفقده حزنه ألق تسع وثلاثين بات ينادي نفسه وروحه الهاربة منه ويتطلع إلى مفتاح الأربعين، هناك رجه وكاد يطوح به في البحر لكن نفسه نادته تريث، توقف، ودونما يمر على غرفه التسع والثلاثين، راح يركض إلى الغرفة الأربعين فتح بابها؛ كان طائر البين بانتظاره، حمله وعاد به إلى سنارته شيش عاد إلى رجع مرآة ترتج في مائه فيرى ثلاثا.
إرسال تعليق