تحاكي قصائد حسن عطية جلنبو في مجموعته “وشهدَ شاهد من أهله”
الوجدانَ بشاعرية عاشق يصوّر المرأة الحبيبة والعشيقة والرفيقة كائنا حقيقيا يسكن
الفؤاد، ورمزا للقيم الجمالية أيضا.
ففي
قصيدة “عطر العمر” يعكس الشاعر ما يعتريه من مشاعر، مقرّا بأن المحبوبة في شعره
تقيم معه في غربته لتغدو الشمسَ التي تشرق عليه كل نهار، كما يحتفي بالوطن بوصفه
امرأة أخرى لها مكان في قلبه، وهذا ما نجده في قصيدته “عمَّان”، فيخلع على المدينة
التي وُلد ونشأ فيها، صفات الحبيبة والصديقة التي تسكنه في غيابه ويرتشف الفجر من
رحيقها، فيجعلها أختا للقدس تسري كل صباح إلى الجسر للقاء أختها.
وتجلّى
الاندماج بين المدينتين من خلال الإهداء:
“إلى وطني
الذي
ما انفكَّ يقسمني إلى شطرين:
شرقيِّ،
يعانقني إذا ضاقتْ بيَ الدنيا
فيحملني
على الكتفين
وغربيِّ،
يؤرِّقني إذا ما جئتُ أبحث عنه
بين
الدمع والعينين”.
ويفتتح
الشاعر مجموعته التي صدرت عن دار /يافا العلمية/ بقصيدة “وطني”، التي يصور فيها
رؤيته للوطن الذي يعيش بعيداً عنه، فيراه في غربته مخبوءاً في وجع الفقراء، وخاصرة
الأرض، فيجعل منه مفتتح الأمور وخاتمتها، وبداية اللغة ونهايتها، فهو “أجمل قصة
عشق عرفتها الصحراء”، وهو “النبض الخافق في الشريان”.
وتُلحُّ
الغربة على الشاعر في قصيدة بعنوان “أنا الغريب”، فيجد نفسه مسكوناً بعطر الماضي، وذكريات
المساءات، ورائحة الياسمينة التي ترافقه منذ طفولته، فيحلم بآماله التي لم تتحقق،
وأمنياته التي أصبحت مجرد ذكريات بعد أن حالت صروف الدهر دون تحقيقها، فتركته
وحيدا يعاني غربتين: غربة الجغرافيا، وغربة الروح:
“أنا الغريبُ
الذي لم يَدْرِ كيف جرتْ
منه
السنون، وعودُ الشوقِ بعدُ طري
أنا
الغريب.. ولمّا يأتني خبرٌ
من
الأحبّة مذ أمعنتُ في سفري
أنا
الغريبُ.. ومذ عشرون قافيةً
أراودُ
الشعرَ عن صحوي وعن مطري
يا
سيدي الشعرُ، بعضي ليس يعرفني
مذ
خطَّ لي الدهرُ في سِفر النوى قدري”.
يشار إلى أن جلنبو سبق أن أصدر في الشعر مجموعة بعنوان “زهر حزيران” (2021).
إرسال تعليق